للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالوا: ما هذا الهزل في مثل هذا الموضع؟

فقلت: والله، ما تعمّدت الهزل، ولكني منذ بدأتم، أعرض على نفسي شيئا، أدعه لله عزّ وجلّ، فلا تطاوعني نفسي، إلى غير هذا الذي لفظت به، وما قلت إلا ما اعتقدته.

فقالوا: لعلّ لهذا أمرا.

وتفرّقنا بعد ساعة، نطوف تلك الأرض، نطلب شيئا للأكل، فوقعنا على فرخ فيل، في نهاية السمن، فأخذه أصحابنا، واحتالوا فيه، حتى ذبحوه، وشووه.

وقالوا: تقدّم، فكل.

فقلت: منذ ساعة، تركته لله عزّ وجلّ، ولعلّ ذلك الذي جرى على لساني من ذكره، إنّما هو سبب موتي، لأنّي لم آكل منذ أيّام شيئا، ولا أطمع في شيء آخر آكله، وما يراني الله انقض عهده، فكلوا، واعتزلتهم.

فأكلوا، وشبعوا، وعاشوا «١» ، وأقبل الليل، فتفرّقوا في مواضعهم التي كانوا يبيتون فيها، وأويت إلى أصل شجرة، كنت أبيت عندها.

فلم يكن إلّا ساعة، وإذا بفيل، أقبل من الموضع الذي استخرجنا منه الفرخ [١٦٥] ، وهو ينعر، والصحراء قد امتلأت بنعيره، وشدّة وطأته، وهو يطلبنا.

فقال بعضنا لبعض: قد حضر الأجل، فاستسلموا، وطرحوا أنفسهم إلى الأرض، على وجوههم.

فجاء الفيل، وجعل يقصد واحدا واحدا، فيشمّه من أوّل جسده، إلى