للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: أتدري لم استدعيتك؟

قلت: لا.

قال: أنت رجل عربيّ، ومن المحال إذا استودعتك أمانة أن تخفرها.

قلت: هو كذلك.

فقال: إنّي فكرت، فإذا لا طائل في قتلك، وفي نفسي رسالة إلى المعتضد «١» ، لا يجوز أن يؤدّيها غيرك، فرأيت إطلاقك، وتحميلك إيّاها، إن حلفت أنّك إذا سيّرتك إليه، تؤدّيها.

فحلفت له.

فقال: قل للمعتضد، يا هذا، لم تخرق هيبتك، وتقتل رجالك، وتطمع أعداءك في نفسك، وتبعث في طلبي الجيوش، وأنا رجل مقيم في فلاة، لا زرع فيها ولا ضرع، وقد رضيت لنفسي بخشونة العيش، والعزّ بأطراف هذه الرماح، وما اغتصبتك بلدا، ولا أزلت سلطانك عن عملك، ومع هذا، فو الله، لو أنفذت إليّ جيشك كلّه، ما جاز أن يظفر بي، لأنّي رجل نشأت في العسف «٢» فاعتدته، أنا ورجالي، لا مشقة علينا فيه، وأنت تنفذ جيوشك من الخيوش «٣» والثلج والريحان «٤» ، فيجيئون من المسافة البعيدة الشاقّة، وقد قتلهم السفر قبل قتالنا، وإنّما غرضهم أن يبلغوا غرضا من مواقفتنا ساعة، ثم يهربون، وإن هم هزموني، بعدت عشرين فرسخا، أو ثلاثين، وجلت في الصحراء شهرا أو شهرين، ثم كبستهم على غرّة، فقتلتهم، وإن كانوا محترسين، فما يمكنهم أن يطوفوا خلفي في الصحاري،