للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: وما سببها؟ فامتنع من ذكر السبب.

فألححت عليه، فقال: مات أبي، وسنّي عشرون سنة، وخلّف لي نعمة صغيرة، ورأس مال، ومتاعا في دكّانه، وكان خلقانيّا في الكرخ «١» .

فقال لي لمّا حضرته الوفاة: يا بنيّ، إنّه لا وارث لي غيرك، ولا دين عليّ، ولا مظلمة، فإذا أنا متّ، فأحسن جهازي، وصدّق «٢» عني بكذا وكذا، وأخرج عني حجّة بكذا وكذا، وبارك الله لك في الباقي، ولكن احفظ وصيّتي.

فقلت: قل.

فقال: لا تسرف في مالك، فتحتاج إلى ما في أيدي الناس ولا تجده، واعلم أنّ القليل مع الإصلاح كثير، والكثير مع الفساد قليل، فالزم السوق، وكن أوّل من يدخلها، وآخر من يخرج منها، وإن استطعت أن تدخلها سحرا بليل «٣» ، فافعل، فإنّك تستفيد بذلك فوائد، تكشفها لك الأيّام.

ومات، وأنفذت وصيّته، وعملت بما أشار به، وكنت أدخل السوق سحرا، وأخرج منها عشاء، فلا أعدم أن يجيئني من يطلب كفنا، فلا يجد أحدا قد فتح غيري، فأحكم عليه، ومن يبيع شيئا، والسوق لم تقم، فأبيعه له، وأشياء من الفوائد.

ومضى على لزومي السوق سنة وكسر، فصار لي بذلك جاه عند أهلها، وعرفوا استقامتي، فأكرموني.

فبينا أنا جالس يوما، ولم يتكامل السوق، إذا بامرأة راكبة حمارا