للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنزلنا إلى موضع، فأكلنا، وشربنا.

فلما عمل الشراب، عمد إليّ، فشد يديّ إلى رجلي، وأوثقني كتافا، ورمى بي في واد، وأخذ كل ما معي، وتركني ومضى، وأيست من الحياة.

وقعد هذا الكلب معي، ثم تركني ومضى، فما كان بأسرع من أن وافاني، ومعه رغيف، فطرحه بين يديّ، فأكلته، ولم أزل أحبو إلى موضع فيه ماء، فشربت منه، ولم يزل الكلب معي، باقي ليلي يعوي إلى أن أصبحت، فحملتني عيناي، وفقدت الكلب.

فما كان بأسرع من أن وافاني ومعه رغيف، فأكلت، وفعلت فعلي في اليوم الأوّل.

فلما كان اليوم الثالث غاب عني، فقلت مضى يجيئني بالرغيف، فلم ألبث إلّا أن جاء ومعه الرغيف، فرمى به إليّ، فلم استتمّ أكله، إلا وابني على رأسي يبكي.

فقال: ما تصنع ها هنا، وما هي قصّتك؟ ونزل فحلّ كتافي، وأخرجني.

فقلت له: من أين علمت بمكاني، ومن دلّك عليّ؟

فقال: كان الكلب يأتينا في كل يوم، فنطرح له الرغيف على رسمه، فلا يأكله. وقد كان معك، فأنكرنا رجوعه، ولست أنت معه، فكان يحمل الرغيف بفيه، ولا يذوقه ويخرج يعدو، فأنكرنا أمره، فاتّبعته حتى وقفت عليك.

فهذا ما كان من خبري وخبر الكلب، فهو عندي أعظم مقدارا من الأهل والقرابة.

قال: ورأيت أثر الكتاف في يده، قد أثّر أثرا قبيحا.

فضل الكلاب على من لبس الثياب ١٩