للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان لبني عامر مجتمع، يجتمعون فيه، في كل سنة، وكان الوالي يخرج معهم إلى ذلك المجتمع، لئلّا يكون بينهم اختلاف، فحضر الوقت، فقال قيس للوالي: أتأذن لي في الخروج معك إلى هذا المجتمع؟ فأذن له.

فلما عزم على الخروج، جاءه قوم من رهط قيس، فقالوا له: إنّما سألك الخروج معك ليرى ليلى ويكلّمها، وقد استعدى عليه بعض أهلها، وأهدر لهم السلطان دمه، إن أتاهم.

فلما قالوا له ذلك، منعه من الخروج معه، وأمر له بقلائص من إبل الصدقة، فردّها، وأبى أن يقبلها، وأنشأ يقول:

رددت قلائص القرشيّ لما ... بدا لي النقض منه للعهود

سعوا للجمع ذاك وخلّفوني ... إلى حزن أعالجه شديد

فلما علم قيس بن معاذ، انّه قد منع، وأن لا سبيل إليها، ذهب عقله، وصار لا يلبس ثوبا إلّا خرّقه، وهام على وجهه عريانا، لا يعقل شيئا ممّا يكلّم به، ولا يصلّي.

فلما رأى أبوه ما صنع بنفسه، خاف عليه التلف، فحبسه، وقيّده، فجعل يأكل لحمه، ويضرب بنفسه الأرض.

فلما رأى أبوه ذلك، حلّ قيده، وخلّاه، فكان يدور في فيافيهم عريانا، ويلعب بالتراب.

وكانت له داية، لم يكن يأنس بأحد غيرها، وكانت تأتيه في كل يوم، برغيف وماء، فتضعه بين يديه، فربما أكله، وربما تركه، ولم يأكله.

ذم الهوى ٣٨٩ مصارع العشاق ٢/٨٩