للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وأيّ موضع رأي هذا؟ أمضيت سفري، وأنضيت بدني، وأتعبت راحلتي، ولا مؤمّل دون ابن عامر، فهل لك من رأي غير هذا؟

قال: نعم، إنني لما صلّيت، فكّرت، فاستحييت من ربي، أن يراني طالب رزق من عند غيره.

ثم قال: أللهم رازق ابن عامر، ارزقني من فضلك، ثم ولى راجعا إلى المدينة.

ودخل الثقفيّ البصرة، فمكث على باب ابن عامر أيّاما، فلما أذن له، دخل عليه، وكان قد كتب إليه من المدينة بخبرهما.

فلمّا رآه رحّب به، وقال: ألم أخبر أنّ ابن جابر خرج معك؟ فأخبره بما كان منهما.

فبكى ابن عامر، وقال: والله، ما قالها أشرا ولا بطرا، ولكن رأى مجرى الرزق، ومخرج النعمة، فعلم أنّ الله عز وجل هو الذي فعل ذلك، فسأله من فضله، ثم أمر للثقفيّ بأربعة آلاف، وكسوة، وطرف، وأضعف ذلك للأنصاري، فخرج الثقفي، وهو يقول:

أمامة ما سعى الحريص بزائد ... فتيلا ولا عجز الضعيف بضائر

خرجنا جميعا من مساقط روسنا ... على ثقة منّا بجود ابن عامر

فلمّا أنخنا الناعجات ببابه ... تأخّر عنّي اليثربيّ ابن جابر

وقال: ستكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم للخلق قاهر

فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربّي الذي أرجو لسدّ مفاقري

فلمّا رآني قال: أين ابن جابر؟ ... وحنّ كما حنّت عراب الأباعر

فاضعف عبد الله- إذ غاب- حظّه ... على حظّ لهفان من الحرص فاغر

لباب الآداب ١٤٣