للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما طال على الأشتر البلاء والهجر، جاءني ذات يوم، فقال: يا نمير هل فيك خير؟

قلت: عندي كل ما أحببت.

قال: أسعدني على زيارة جيداء، فقد ذهب الشوق إليها بروحي، وتنغصت عليّ حياتي.

قلت: بالحب والكرامة، فانهض إذا شئت.

فركب، وركبت معه، وسرنا يومنا وليلتنا، حتى إذا كان قريبا من مغرب الشمس، نظرنا إلى منازلهم، ودخلنا شعبا خفيّا، فأنخنا راحلتينا وجلين.

فجلس هو عند الراحلتين، وقال: يا نمير، اذهب، بأبي أنت وأمي، فادخل الحيّ، واذكر لمن لقيك أنّك طالب ضالّة، ولا تعرّض بذكري بشفة ولا لسان، فإن لقيت جاريتها فلانة الراعية، فاقرئها مني السلام، وسلها عن الخبر، وأعلمها بمكاني.

فخرجت، لا أعذر «١» في أمري، حتى لقيت الجارية، فأبلغتها الرسالة، وأعلمتها بمكانه، وسألتها عن الخبر.

فقالت: بلى والله، مشدّد عليها، متحفّظ منها، وعلى ذلك، فموعدكما الليلة، عند تلك الشجرات اللواتي عند أعقاب البيوت.

فانصرفت إلى صاحبي، فأخبرته الخبر، ثم نهضنا نقود راحلتينا، حتى جاء الموعد.

فلم نلبث إلّا قليلا، وإذا جيداء قد جاءت تمشي حتى دنت منّا، فوثب إليها الأشتر، فصافحها، وسلّم عليها، وقمت مولّيا عنهما.