للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعلم أيها الأمير، أنّك قد أصبحت، وليس فوق يدك يد لأحد من المخلوقين، وأنّك مالك لكل ما تريده، قادر على أن تفعله، أيّ وقت أردته، لا يتهيّأ لأحد من المخلوقين منعك منه، ولا أن يحول بينك وبين ما تهواه، أيّ وقت أردت، واعلم أنّ الغيظ والغضب يحدثان في الإنسان سكرا، أشد من سكر النبيذ بكثير، فكما أنّ الإنسان يعمل في وقت السكر من النبيذ، ما لا يليق به، ولا يذكره إذا صحا، ويندم عليه إذ احدّث به، ويستحي منه، كذلك يحدث له في وقت السكر من الغيظ، بل أشدّ، فإذا ابتدأ بك الغضب، فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة إلى غد، واثقا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت، لا يفوتك عمله، فإنّك إذا بتّ ليلتك، سكنت فورة غضبك، وقد قيل: أصحّ ما يكون الإنسان رأيا، إذا استدبر ليله، واستقبل نهاره، فإذا صحوت من سكرك، فتأمّل الأمر الذي أغضبك، وقدّم أمر الله عز وجلّ، أوّلا، والخوف منه، وترك التعرّض لسخطه، واشف غيظك، بما لا يؤثمك، فقد قيل: ما شفى غيظه من أثم، واذكر قدرة الله عليك، فإنك تحتاج إلى رحمته، وإلى أخذه بيدك، في أوقات شدائدك، فكما تحبّ أن يغفر لك، كذلك غيرك، يؤمّل عفوك، وفكّر بأيّة ليلة بات المذنب قلقا لخوفه منك، وما يتوقّعه من عقوبتك واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور، بزوال الرعب عنه، ومقدار الثواب الذي يحصل لك، بذلك، واذكر قوله تعالى: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ

، وإنما يشتد ذلك عليك مرّتين، أو ثلاثا، ثم تصير عادة لك، وخلقا، فيسهل.

فابتدأ بجكم، فعمل بما قال له «١» ، المنتظم ٦/٣٢١