للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كنت أحبّه، مع إجرائي إيّاه مجرى الوالد، وكنت أجتهد به أن يدعوني إلى داره، فيمتنع، ويزعم أنّه لا تتّسع همّته، ولا نعمته، لذلك.

إلى أن اعتلّ علّة عظيمة، فتمادت الأيام به، ولم أعده، إلى أن كتب إليّ باستقلاله، وأنّه قد عمل على الركوب إليّ، بعد يوم أو يومين، فسابقته، وركبت إليه في خفّ من غلماني وخاصّتي.

فلما دخلت إليه، قلت له: قد كنت أجتهد بك أن تدعوني [٥٢] ، فتأبى، والآن، قد جئتك جامعا للعيادة، والتهنئة بالعافية، والدعوة.

فقال: والله، يا أمير المؤمنين، ما لي طعام، ولا غلمان، ولا زيّ يصلح لدعوتك.

فقلت: قد فرغت لك من ذلك، وتقدّمت إلى غلماني، بحمل الآلات، والطعام، والأشربة، وجميع ما يحتاج إليه، وإنّما أردت تشريفك، والأنس بك.

قال: وجاء الغلمان، بآلات، وفرش لي، وجلست، وهو معي، فأكلنا، وجعل يتحفني من منزله، بالفاخر من الفرش، والآنية، والآلات هدية لي، كما يفعل الناس، فأخذت كلّما يحمله من أحسن شيء، وأجمله، وأرشقه، فازداد ابتهاجا به.

ثم دعوت بالشراب، فلما شربت ثلاثة فقط، عملت على الانصراف.

فلما أحسّ بذلك، قال لي: أريد أن أبكي، وأنا أتطيّر أن أبكي بعد انصراف أمير المؤمنين، وأنا أستأذنه في البكاء بحضرته.

قال: وتحدّرت دموعه عقيب الكلام، فبكى بكاء شديدا.

فقلت له: يا هذا، أنا أعلم أنّ فيك شحا، تسميه حسن التدبير، وما يحسن منك أن تبكي، فإن كان ندما على ما أهديته، فهو مردود بلا شكّ.

قال: فحلف بأيمان عظيمة، وانزعج انزعاجا شديدا، أنّه ما بكى لذلك.