للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسلّم وجلس، وأوصل الكتب، وصادف منه ضجرا وضيق صدر، وكانت إضبارة عظيمة، فاستكثرها ابن أبي البغل، ولم يقرأها جميعها.

فقال له الرجل: إن رأيت أن تقرأها، وتقف على جميعها.

فصخب «١» ، وتغيّظ، وقال: أليس كلها في معنى واحد؟ قد والله بلينا بكم يا بطّالين «٢» ، كل يوم يصير إلينا منكم واحد يريد تصرّفا، لو كانت خزائن الأرض إليّ، لكانت قد نفدت.

ثم قال للرجل: يا هذا، ما لك عندي تصرّف، ولا إليّ عمل شاغر «٣» أردّه إليك، ولا فضل في مالي أبرّك منه [فدبّر أمرك] «٤» بحسب هذا.

قال: والرجل ساكت جالس، إلى أن أمسك ابن أبي البغل.

فلما سكت، ومضت على ذلك [ساعة] «٥» قام الرجل قائما، وقال:

أحسن الله جزاءك، وتولّى مكافأتك عنّي بالحسنى، وفعل بك وصنع.

قال: وأسرف الرجل في شكره، والدعاء له، والثناء عليه، بأحسن لفظ، وأجود كلام، وولى منصرفا.

فقال ابن أبي البغل: ردّوا من خرج.

وقال له: يا هذا، هوذا تسخر مني؟، على أيّ شيء تشكرني؟ على أياسي لك من التصرّف، أو على قطع رجائك من الصلة، أو على قبيح ردّي لك عن الأمرين، أو تريد خداعي بهذا الفعل؟

قال: لا، ما أردت خداعك، وما كان منك من قبيح الردّ، غير منكر، فإنّك سلطان، ولحقك ضجر.