للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصلاة، ولا يذوق الطعام، فتحيّر أهل البلد في أمره.

وكان لا يخرج من الجامع إلّا في الهاجرة، في كل يوم دفعة، حتى يمضي إلى تلك الميضأة، فيبول، ويعمد إلى تلك الآجرة، وقد عرفها، وعليها ذلك [١٨٨ ب] المعجون، وقد صار مستحيلا، وصورته صورة الغائط الناشف المستحيل، فمن يدخل ويخرج، لا يشك أنّه غائط، فيأكله، ويقيم أوده، ويرجع، فإذا تمسّح لصلاة العتمة في الليل، شرب كفايته من الماء.

وأهل حمص يظنون أنّه لا يذوق الماء ولا الطعام، وأنّه طاو طول تلك المدّة.

فعظم شأنه ومحلّه عندهم، وقصدوه، وكلّموه، فلم يجب، وأحاطوا به، فلم يلتفت، واجتهدوا في خطابه، فلزم لهم هذا الصمت والعمل.

فزاد محلّه عندهم، حتى إنّهم كانوا إذا خرج للطهور، جاءوا إلى موضعه فيتمسّحون به، ويأخذون التراب من موضع مشيه، ويحملون إليه المرضى فيمسح بيده عليهم.

فلمّا رأى أنّ منزلته قد بلغت إلى ذلك، وكان قد مضى على هذا الفعل سنة، اجتمع في الميضأة مع امرأته، وقال:

إذا كان يوم الجمعة، كما تصلي الناس «١» ، فتعالي، فاعلقي بي، والطمي وجهي، وقولي لي: يا عدوّ الله يا فاسق، قتلت ابني ببغداد، وهربت إلى هاهنا، وجئت تتعبّد، وعبادتك مضروب بها وجهك.

ولا تفارقيني، وأظهري أنّك تريدين قتلي بابنك، فإن الناس يجتمعون عليك، وأمنعهم أنا من أذيّتك، وأعترف بأنّي قتلته، وتبت، وجئت إلى هاهنا، للعبادة والتوبة، والندم على ما كان منّي.