للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: اجلس، فقد أنسيت مهمّا.

فجلست، فقال: إنّك شاب، وفضلك تامّ، وعملك وافر، وإنّك سترد على قوم فيهم شرّ، وسيحسدونك على فضلك، أو يطلبون معايبك، إذا حكمت عليهم بالحقّ، فلا يجدون طريقا إلى الغضّ منك، إلّا بنسبتك إلى الحداثة، وقلّة حنكتها، ولن تعدم منهم ذلك، فإن صدقت حقّقوا ما يريدون، والكذب لا يجوز، فإيّاك أن تخبر بسنّك على حقيقتها، ولكن إذا سئلت عنها، فقل: دون الأربعين سنة، فلو كانت عشرين، أو أقلّ، لكنت صادقا، وفي فزعك إلى الأربعين ستر عليك، لأنّها الأسدّ، وحدّ التكهّل والحنكة، فإن بليت بمن يطوّل معك، فيقول: دون الأربعين بكم؟

فقل: لست أذكر، وانو أنّك لست تخبر، ليقطع الخطاب، ويقع للسائل، أنّك ناس حقيقة سنّك.

قال: فخرجت، واتّفق أنّ شعرة واحدة، ابيضّت في لحيتي، في مسافة الطريق، فلمّا دخلت الأهواز، تعمّلت لإخراجها بالمشط، إلى حيث يلحقها النظر، تجمّلا بها [١١١] .

واستقبلني محمد بن جعفر بن معدان الشاهد «١» ، وكان يخلف أبا جعفر، على الوقوف، وقد كاتبه بإعظامي، وتلقيّ، فجاءني بمركوب إلى الشطّ، وركبته إلى دار اتّخذت لي، وكان يغشاني «٢» في كلّ يوم.

فلمّا أردت الخروج إلى عملي، قال لي: قد هالني ما رأيته من فضل القاضي أيّده الله، فكم سنوه؟

فذكرت، وصيّة أبي جعفر، فقلت: دون الأربعين سنة.