للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فقلت له: اعلم -يا أخي- أنَّ مَنْ سَبَر غورَ الإسلامِ، ودرس حكمةَ التَّشريع؛ علم أنَّ جميع التَّكاليف الشَّرعيَّة: من روحيّة، وبدنيّة، ومالية، مبنيَّة على درء المفاسد وجلب المصالح (١) .

(فالصَّلاة) الروحيّة البدنيَّة، التي هي فرض عام على كل مكلَّف، تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأشد الفواحش والمنكرات فتكاً وهتكاً، هي: تلك الجيوش المعنويَّة التي مهدت بها أوروبا السَّبيلَ لفتح بلاد الشرق -كالخمر، والقمار، والزنا، والربا، والانتحار-، فكثير ممن أضاع الصَّلاة، واتّبع الشَّهوات (٢) وقع في هذا التيار، الذي أسلمه إلى الجنون أو المنون، فكان ذلك من أشد المصائب على الوطن.

(والصِّيام) الذي يدعو إلى إمساك المعدة عن الطَّعام، وسائر الأعضاء عن الآثام، وصرف جميع القوى والمواهب فيما أعدَّتْ له، يعلِّم الثباتَ على خلق (مبدأ) قويم لا محيد عنه، فالصَّائم الذي يغلب عقلُه شهوتَه، ولا يخون دينه بالأكل نهاراً -سراً أو علانية- لا يمكن أن يخون وطنه، أو يخدع في أمره، فيبيعه بثمن بخس من غير أهله.

(والحجّ) لا تخفى حكمته على ذي بصيرة؛ وأهمّها: التَّعاون على توفير أسباب الخير للأُمَّة، ودفع عوادي الشَّر عنها.


(١) الشرع قواعد، جاء ليحقق مصلحة الإنسان في المعاش والمعاد، والحال والمآل، ولم يثبت منه شيء على خلاف القياس -على ما حققه ابن القيم في «الإعلام» بما يُرْحَل إليه، ويُكتب بماء العيون، لا بماء الذهب-، ومن ظن أن له مصلحة في الدنيا بالخروج عن أمر مولاه والاستجابة لداعي هواه؛ فهو واهم، والواجب إعمال (الألفاظ) و (المباني) ، دون إهمال (الحقائق) و (المعاني) ، ومن (الشقاء) تجاوز (النص) ، ومن (الغباء) عدم النظر في المعنى، والواجب إلحاق الشبيه بالشبيه، والنظير بالنّظير.
(٢) سبب هلاك الأفراد والمجتمعات الإفراط في تناول الشهوات.

<<  <   >  >>