للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التشبيه البعيد وهو التشبيه البليغ]

والبليغ من التشبيه ما كان من هذا النوع -أعني البعيد- لغرابته١؛ ولأن الشيء إذا نِيل بعد الطلب له والاشتياق إليه كان نيله أحلى، وموقعه من النفس ألطف وبالمسرة أولى؛ ولهذا ضرب المثل لكل ما لطف موقعه ببرد الماء على الظمأ، كما قال:

وهن ينبذْنَ من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغُلَّة الصادي٢

لا يقال: عدم الظهور ضرب من التعقيد، والتعقيد مذموم؛ لأنا نقول: التعقيد -كما سبق- له سببان: سوء ترتيب الألفاظ، واختلال الانتقال من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو المراد باللفظ.

والمراد بعدم الظهور في التشبيه ما كان سببه لطف المعنى ودقته أو ترتيب بعض المعاني على بعض، كما يشعر بذلك قولنا٣: "في بادئ الرأي"؛ فإن المعاني الشريفة لا بد فيها -في غالب الأمر- من بناء ثانٍ على أول، وَرَدّ تالٍ إلى سابق، كما في قول البحتري: "دان على أيدي العفاة ... " البيتين٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>