للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الثالث: القول في الكناية]

[تعريف الكناية]

الكناية: لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه حينئذ١؛ كقولك: "فلان طويل النجاد" أي: طويل القامة، و"فلانة نئوم الضحى" أي: مرفهة مخدومة غير محتاجة إلى السعي بنفسها في إصلاح المهمات؛ وذلك أن وقت الضحى وقت سعي نساء العرب في أمر المعاش وكفاية أسبابه وتحصيل ما يحتاج إليه في تهيئة المتناولات وتدبير إصلاحها؛ فلا تنام فيه من نسائهم إلا من تكون لها خدم ينوبون عنها في السعي لذلك.

ولا يمتنع أن يراد مع ذلك طول النجاد، والنوم في الضحى من غير تأويل٢؛ فالفرق بينها وبين المجاز من هذا الوجه؛ أي: من جهة إرادة المعنى٣ مع إرادة لازمه؛ فإن المجاز ينافي ذلك، فلا يصح في نحو قولك: "في الحمّام الأسد" أن تريد معنى الأسد من غير تأول؛ لأن المجاز ملزوم قرينة معاندة لإرادة الحقيقة كما عرفت، وملزوم معاند الشيء معاند لذلك الشيء٤.

وفرّق السكاكي وغيره بينهما بوجه آخر أيضا٥، وهو أن مبنى الكناية على الانتقال من اللازم إلى الملزوم، ومبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم.

وفيه نظر؛ لأن اللازم ما لم يكن ملزوما يمتنع أن يُنتقَل منه إلى الملزوم٦، فيكون الانتقال حينئذ من الملزوم إلى اللازم.

ولو قيل: اللزوم من الطرفين من خواصّ الكناية دون المجاز، أو شرط لها دونه، اندفع هذا الاعتراض، لكن اتجه منع الاختصاص والاشتراط٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>