للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمة: في الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة، وانحصار علم البلاغة في علمي المعاني والبيان ١

الخلاف في تفسير الفصاحة والبلاغة:

للناس في تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال مختلفة٢، لم أجد -فيما بلغني منها-


١ إنما حصر علم البلاغة في علمي المعاني والبيان؛ لأن علم البديع يبحث في المحسنات التي تكون بعد رعاية وجوه البلاغة والفصاحة في الكلام. وقدم الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة على بيان انحصار علم البلاغة في هذه العلوم؛ لأن معرفة انحصاره فيها تتوقف على الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة، وبهذا كان صنيعه أحسن من السكاكي؛ لأنه ذكر الكلام على الفصاحة والبلاغة في آخر علم البيان.
٢ منها قول أكثم بن صيفي: "البلاغة: الإيجاز", وقول أرسطو: "البلاغة: حسن الاستعارة", وقول ابن المقفَّع: "البلاغة: قلة الحصَر، والجراءة على البشَر", وقول بعضهم: "البلاغة: تصوير الحق في صورة الباطل، وتصوير الباطل في صورة الحق".
فالأول كقول محمد بن عبد الملك الزيات: "الرحمة: خَوَر في الطبيعة، وضعف في المُنَّة".
والثاني كقول الحارث بن حلزة "مجزوء الكامل":
عيشي بجد لا يضر ... ك النوك ما لاقيت جدا
والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدا
وأقوال المتقدمين كثيرة في البلاغة, والظاهر أن جمهورهم لم يكن يفرق بينها وبين الفصاحة، وقد نُقل عن أفلاطون أن: "الفصاحة لا تكون إلا لموجود، والبلاغة تكون لموجود ومفروض". ولعله يعني بالموجود اللفظ، وبالمفروض المعنى. وقال العاصي بن عدي: "الشجاعة قلب ركين، والفصاحة لسان رزين". وهو يعني باللسان اللفظ، وبالرزين ما فيه فخامة وجزالة. وقال بعضهم: الفصاحة تمام آلة البيان، وهي عنده مقصورة على اللفظ أيضا؛ لأن الآلة -وهي اللسان- تتعلق باللفظ دون المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>