للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويمشى بجانبها أربع كأنها نعامة حولها رئالها، فقام الى فرسه، فوجأ لبّته بمدية، فخر، ثم كشط عن جلده، ودفع المدية الى المرأة، وقال: شأنك، فاجتمعنا على اللحم نشوى، ونأكل، ثم جعل يأتيهم بينا بيتا، فيقول: هبّوا عليكم بالنار، والتفع بثوبه ناحية ينظر الينا، لا والله إن ذاق منه مضغة وإنه لأحوج اليه منّا، فأصبحنا وما في الأرض إلا عظم أو حافر.

وقيل: كان مبدأ الأمر لحاتم في الجود، أنه لما ترعرع، جعل يخرج طعامه فإن وجد من يأكله معه أكله، وإن لم يجد طرحه، فلما رأى أبوه، أنه يهلك طعامه، قال له: ألحق بالإبل، فخرج إليها، فوهب له جارية، وفرسا وفلوها.

وقيل: بل هلك أبو حاتم وهو صغير، وهذه القصّة كانت مع جدّه سعد بن الحشرج، فلما أتى حاتم الإبل، طفق يبتغى الناس، فلا يجدهم، ويأتى الطريق، فلا يجد عليه أحدا، فبينا هو كذلك، إذ بصر بركب على الطريق، فأتاهم، فقالوا: يا فتى، هل من قرى؟ فقال: تسألوننى عن القرى؟ وقد ترون الإبل! وكان الذى بصر بهم، عبيد ابن الأبرص، وبشر بن أبى خازم، والنابغة الذّبيانىّ، وكانوا يريدون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما أردنا اللبن، وكانت تكفينا بكرة، إن كنت لا بدّ متكلّفا لنا شيئا، فقال حاتم: قد عرفت، ولكن رأيت وجوها مختلفة، وألوانا متفرّقة، فظننت أن البلدان غير واحد، فأردت أن يذكر كلّ واحد منكم ما رأى، إذا أتى قومه فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها، وذكروا فضله، فقال حاتم: أردت أن أحسن اليكم، فصار لكم الفضل علىّ، وإنى أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلى عن آخرها، أو تقوموا اليها فتقتسموها ففعلوا! فأصاب كل واحد تسعا وثلاثين بعيرا، ومضوا على سفرهم الى النعمان، وأن أبا حاتم أو جدّه، سمع بما فعل، فقال: