للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوصى بعض الحكماء ولده فقال: يا بنىّ لا يعتذر اليك أحد من الناس، كائنا من كان، فى أى جرم كان، صادقا كان أو كاذبا، إلا قبلت عذره، فكفاك بالاعتذار برّا من صديقك، وذلّا من عدوّك.

قال بعض الشعراء

فإن كنت ترجو في العقوبة راحة ... فلا تزهدن عند التجاوز في الأجر

وقال أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكرىّ: الاعتذار ذلّة، ولا بدّ منه، لأن الإصرار على الذنب، فيما بينك وبين خالقك هلكة، وفيما بينك وبين صديقك فرقه، وعند سائر الناس مثلبة وهجنة، فعليك به، اذا واقعت الذنب، وقارفت الجرم، ولا تستنكف من خضوعك وتذلّلك فيه، فربما استثير العزّ من تحت الذلة، واجتنى الشرف من شجرة النذلة، وربّ محبوب في مكروه، والمجد شهد يجتنى من حنظل.

قال: ومما خصّ به الاعتذار أنّ الحقّ لا يثبت لباطله، والحقيقة لا تقوم مع تخييله وتمويهه، وأنّ ردّه لا يسع مع الكذب اللائح في صفحاته. وقالوا: لا عذر فى ردّ الاعتذار، والمعتذر من الذنب، كمن لا ذنب له، وهذه خصلة لا يشركه فيها غيره.

قال بعضهم: كنت بحضرة عبيد الله بن سليمان، فوردت عليه رقعة من جعفر ابن توّابة، نسختها: قد فتحت للمظلوم بابك، ورفعت عنه حجابك، فأنا أحاكم الأيّام الى عدلك، وأشكو صروفها الى فضلك، وأستجير من لؤم غلبتها بكرم قدرتك، وحسن ملكتك، فإنها تؤخّرنى اذا قدّمت، وتحرمنى اذا قسّمت، فإن