للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الجاحظ: قلت للحزامىّ: يا بخيل! قال: لا أعدمنى الله هذا الاسم، لأنه لا يقال لى: بخيل إلا وأنا ذو مال فسلّم لى المال، وسمّنى بأىّ اسم شئت، قلت:

ولا يقال لك: سخىّ، إلا وأنت ذو مال، فقد جمع الله لهذا الاسم المال والحمد، وجمع لذاك المال والذّمّ، فقال: بينهما فرق عجيب، وبون بعيد، إن في قولهم:

بخيل، سببا لمكث المال في ملكى، وفي قولهم: سخىّ، سببا لخروجه عن ملكى، واسم البخل فيه حزم وذمّ واسم السخاء فيه تضييع وحمد، وما أقلّ غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعرى ظهره وضاع عياله وشمت به عدوّه.

وقال محمد بن الجهم: من شأن من استغنى عنك، أن لا يقيم عليك، ومن احتاج إليك أن لا يزول من عندك، ومن حبّك لصديقك وضنّك بمودّته أن لا تبذل له ما يغنيه عنك، وأن تتلطف له فيما يحوجه إليك.

وقد قيل في مثل هذا: «أجع كلبك يتبعك، وسمّنه يأكلك» ، فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر، وقطع أسباب الشكر، والمعين على الغدر شريك للغادر، كما أن المزيّن للفجور شريك للفاجر.

وقال أبو حنيفة: لا خير فيمن لا يصون ماله ليصون به عرضه، ويصل به رحمه ويستغنى به عن لئام الناس. قال عبد الله بن المعتز

أعاذل ليس البخل منّى سجيّة ... ولكن وجدت الفقر شرّ سبيل

لموت الفتى خير من البخل للفتى ... وللبخل خير من سؤال بخيل

وكان داود بن علىّ يقول: لأن يترك الرجل ماله لأعدائه، خير من الحاجة في حياته لأوليائه؛ قال الشاعر