للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الطّفل لهجومه على الناس كهجوم الليل على النهار، فيكون من الظلمة، ولذلك قيل: «أطفل من ليل على نهار» ، وأوّل من سمى بهذا الاسم: طفيل العرائس، وإليه ينسب الطّفيليّون، وكان يقول لأصحابه: إذا دخل أحدكم عرسا، فلا يلتفت تلفّت المريب، ويتخيّر المجالس، وإن كان العرس كثير الزحام، فليمض ولا ينظر في عيون الناس، ليظنّ أهل المرأة أنه من أهل الرجل، ويظنّ أهل الرجل أنه من أهل المرأة، وإن كان البوّاب غليظا فاحشا، فليبدأ به، ويأمره وينهاه من غير أن يعنّف عليه، ولكن بين النصيحة والإدلال.

وأشهر من نسب إليه هذا الاسم، وكثرت عنه الحكايات، بنان الطّفيلىّ، وهو عبد الله بن عثمان، ويكنى أبا الحسن، ولقبه بنان، وأصله مروزىّ وأقام ببغداد، وكان نقش خاتمه، «مالكم لا تأكلون» . حكى أن رجلا سأله أن يدعو له، فقال:

اللهم ارزقه صحة الجسم وكثرة الأكل، ودوام الشهوة، ونقاء المعدة، وأمتعه بضرس طحون، ومعدة هضوم، مع السعة والدّعة، والأمن والعافية؛ وقال يوصى بعض أصحابه: إذا قعدت على مائدة وكان موضعك ضيّقا فقل للذى يليك: لعلى ضيقت عليك فإنه يتأخر إلى خلف، ويقول: موضعى واسع، فيتسع عليك موضع رجل؛ وقال له طفيلىّ: أوصنى، فقال: لا تصادفنّ من الطعام شيئا، فترفع يدك عنه وتقول:

لعلّى أصادف ما هو أطيب منه، فإن هذا عجز ووهن، قال: زدنى، قال: إذا وجدت خبزا فيه قلّة، فكل الحروف، فإن كان كثيرا فكل الأوساط، قال: زدنى، قال:

لا تكثر شرب الماء وأنت تأكل، فإنه يصدّك عن الأكل، ويمنعك من أن تستوفى، قال: زدنى، قال: إذا وجدت الطعام، فكل منه أكل من لم يره قط، وتزوّد منه زاد من لا يراه أبدا، قال: زدنى، قال: إذا وجدت الطعام، فاجعله زادك إلى الله تعالى،