للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وكان ابتداء مرضه الذى اعتل به الوجود، وتباشرت به الأكفان واللحود: ليلة السبت خامس عشر المحرم. فانه ركب وقت العصر من يوم الجمعة رابع عشرة وكأنه مودع لأخدانه ورؤية موكبه وركوب حصانه، ونزل والتاث جسمه بعض التياث، وأصبح وليس عنده ذلك الانبعاث. فلما انقضت مدة أجله، وانطوت صحيفة عمله، قبض الله روحه الزكية، ورجعت إلى ربها راضية مرضية، وذلك بعد الزوال من يوم الخميس سابع عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة.

وكأن نفوس العالم كانت نفسا، وأنزل الله السكينة فلا تسمع إلا همسا، واستصحبت مهابته السكون وخادعت العقول حتى أن ما كان «١» من وفاته كاد كل يحلف أنه ما يكون.

وحمل فى محفة إلى قلعة دمشق فى تلك الليلة، وسكنت الشفاة والألسنة، وتناومت العقول من غير نوم ولا سنة. وجعل فى بعض القاعات بالقلعة على سرير يومأ إليه بالترحم والسلام، ولا يزوره غير الملائكة الكرام.

قال المؤرخ: وتولى غسله وتحنيطه وتصبيره وتكفينه المهتار شجاع الدين عنبر، والفقيه كمال الدين الإسكندرى المعروف بابن المنبجى، والأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار، ثم جعل فى تابوت وعلق فى بيت من بيوت قاعة البحرة بقلعة دمشق. وكانت مدة مرضه، رحمه الله تعالى، ثلاثة عشر يوما، وهى مدة مرض الشهيد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، رحمه الله تعالى.