للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحر الملح حال الزلزلة، وانطرد عن مكانه. ثم مدّ حتى دخل الصناعة، ووصل إلى الأسوار الذى كان عند القصارين بجملته، وأثرّت هذه الزلزلة بصفّد أثرا عظيما، وسقط جانب من قلعتها، وانطرد البحر بعكّا حتى انكشف ما بين عكّا وبرج الذّبّان [١] الذى بالبحر [٢] ومسافته بعيدة، وظهر أنه كان [٣] بساحلها أشياء مما ألقاه أهل عكّا فى البحر لما حاصرها المسلمون، فتبادر من كان هناك بالنزول لأخذ ما ظهر لهم، فجاء الماء أمثال الجبال فغرقوا، ووصل فى مدّه إلى قرب تل الفضول، وخربت دمنهور الوحش- وهذه مدينة أعمال البحيرة- خرابا شنيعا؛ وأبيارا [٤] ، وغير ذلك من البلاد، ولعظم هذه الزلزلة بالديار المصرية أرّخ كثير من العوامّ بها فهم يذكرونها إلى وقتنا هذا.

ولمّا أثّرت هذه الزلزلة بالجوامع ما أثّرت، اهتمّ الأمراء بالديار المصرية بها، فعمرّ الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة ما تشعّث بجامع عمرو بن العاص بمصر، وعمّر ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، جامع الحاكم بالقاهرة، وجدد مآذنه وسقوفه، وبيّضه وبلّطه، وأصلحه إصلاحا جيّدا حتى عاد أحسن مما كان، ووقف عليه أوقافا متوفرة، ورتّب فيه من الدروس ووجوه البرّ والخير ما نذكره إن شاء الله تعالى فى سنة ثلاث وسبعمائة.

وأعيدت المئذنة المنصورية من مال الوقف ليصرفه، وصرف فى عمارتها فى نصفها الذى هدم وهو من سطح القبّة إلى انتهائها ما عدا ما يقارب تسعين ألف درهم، خارجا عمّا استعمل من أحجارها المنقوضة منها، وعن تفاوت أجر الأسرى وما حمل على ذوات [٥] مرمات الوقف.


[١] برج الذبان: برج فى وسط البحر مبنى على الصخر على جانبى ميناء يحرص به ومتى عبره الراكب أمن غائلة العدو (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية لابن شداد ص ٢١٧) .
[٢] فى ص، وف «فى البحر» .
[٣] كذا فى ك، وف. وعبارة ص «وظهر لبعض من كان- إلخ» .
[٤] أبيار: هى بلدة من بلاد محافظة الغربية، وتقع على بحر سيف شرقى كفر الزيات (على مبارك: الخطط التوفيقية ٨: ٢٨، محمد رمزى: القاموس الجغرافى، ج ٢، ق ٢، ص ١١٩) .
[٥] فى ك «دواب» والمثبت من ص، وف.