للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه وأنعم عليه بإمرة عشرة طواشية، واستقر بالقاهرة بدار أبيه مع أخيه الأمير علاء الدين على- وهو أحد أمراء الطبلخاناه بالقاهرة- وبعد أن أرسل قراسنقر ولده المذكور وأمواله ونائبه أظهر العصيان وتجاهر به، وخلع الطاعة وكاتب الأمراء، وراسل الأمير جمال الدين آقش الأفرم نائب السلطنة بالمملكة الطرابلسية، وبذل له الطاعة، وأن يكون هو صاحب الأمر دون قراسنقر، وبذل له المال مع ذلك ليعينه به، فأرسل إليه [١] مرة ثلاثة الآف دينار عينا، ومرة أخرى، ومرة ثالثة فوافقه على ذلك وباطنه وكتب إلى السلطان [بخبره] [٢] بما كاتبه به قراسنقر ومهنّا، وبقى ذلك فى يسّر حسوا فى ارتغاء [٣] ، واستمر الأمير جمال الدين يدافع الأيام، ويقدم رجلا ويؤخر أخرى، ويكاتب السلطان ويرد عليه الأجوبة فى بقية سنة إحدى عشرة وسبعمائة وكنت يوم ذاك- ناظر الجيش الطرابلسى وكان لى عليه إدلال كثير، فشرع يكتم ذلك عنىّ وعن غيرى إلا من علم أنّه يوافقه على رأيه ويباطنه على مقصده، وظهر لى من صفحات وجهه وحركاته واضطراب أمره وشلش [٤] بعض مماليكه ما دلّنى على مراده، فدخلت عليه فى أثناء ذى الحجة وهو بطرابلس، وكاشفته، وتحدثت معه وحذرته عاقبة هذا الأمر، وبذلت له النصيحة فكاد يكشف لى عن باطنه ويخبرنى بما أضمره وعزم عليه، فلحظت بعض أكابر مماليكه وهو يغمزه ويشير إليه أن لا يفعل، فعدل عما أراد أن يخبرنى به، ثم قال لى أنا أتحقق محبتك ونصحك [٥] ، وأنه ما حملك على أن ذكرت ما ذكرت إلا الشفقة على. وجزانى خيرا، ثم قال لى. هذا الأمر الذى لحظته وظننته قد طالعت السلطان مما وقع فيه، وأرسلت إليه ما ورد علىّ من كتب قرا سنقر والعرب، وهذا الذى يظهر لك أننى أفعله هو عن أمر السلطان، وسوف يظهر لك. فما شككت فى قوله، واستكتمنى هذا الأمر فكتمته، ثم ظهر أن الأمر فى باطنه بخلاف ما أظهر لى.


[١] كذا فى ك، وف. وفى ص «وأرسل إليه من ماله» .
[٢] هذا اللفظ من ص.
[٣] يسرحوا فى ارتغاء: مثل يضرب لمن يريك أنه يعينك، وإنما يجر النفع إلى نفسه. يعنى من يظهر أمرا وهو يريد غيره، أو يضرب لمن يظهر طلب القليل وهو يسر أخذ الكثير (مجمع الأمثال ٢: ٤١٧ برقم ٤٦٨٠، ولسان العرب ١٩: ٤٦ ط. بولاق) .
[٤] الشلش: كلمة يستعملها أهل شبه الجزيرة العربى تعنى كثرة الحركة والشغب والصياح، ولم ترد فى قواميس اللغة.
[٥] فى ك «نصيحتك» والمثبت من ص.