للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطر سيل عظيم من سائر تلك الجبال، وملأ الأودية وتحامل وجاء على جوسية [١] إلى قرية الناعمة وقدس، وانصب فى بحرة حمص ففاضت منه، ومرّ السيل بقرية جسمل، وهى بالقرب من الناعمة، فاقتلعها بجميع ما فيها من الغلال والحواصل، وأهلك أهل القرية، ولم يسلم منهم إلا خمسة أنفس: ثلاثة رجال وصبى وصبيّة وكانت سلامتهم من الغرائب، وذلك أنهم وجدوا ثورا عائما فى السيل فتعلق رجلان بقرنيه، وركب الصبى والصبية على ظهره، ثم أدركه رجل ثالث فتعلق بذنبه، وحملهم الثور وهو عائم إلى أن انتهوا إلى أرض جلدة مرتفعة، فوقفوا عليها وسلموا، وحمل هذا السيل عدّة كثيرة من خركاهات [٢] التركمان، وبيوت العرب والأكراد الذين بتلك الأرض، فاحتملهم وأهلكهم، وأهلك مواشيهم، وألقاهم ببحرة حمص، وعلق خلق كثير من الغرقاء والدواب بأشجار جوسيّة لمّا مرّ بهم السيل عليها.

وأما البرد الذى سقط فإن معظمه وقع فى واد بين جبلين فملأه، وبقى كذلك مدة، وخرج إليه الولاة والقضاة من حمص وبعلبك وشاهدوه، هكذا نقل الأمير جلال الدين الصّفدى أحد الأمراء البريدية بالديار المصرية، وكان قد توجّه إلى الشام فى بعض المهمات السلطانية، وهو ثقة فيما ينقله.

وأخبرنى الأمير العدل علاء الدين أيدغدى الشهرزورى [٩٤] أستاذ دار الأمير شمس الدين قراسنقر المصرى- وهو عدل ثقة فى أجناده- أن كتاب والده شهاب الدين أحمد وصل إليه من حلب أنه وقع إليه فى التاريخ المذكور مطر عظيم على مدينة غرار، وهو المطر الذى تقدم ذكره، وأنه سقط مع المطر سمك كبار وصغار، وجمع منه شىء كثير وأكل، وأن المطر الذى وقع فى التاريخ على بلد [٣] سرمين [٤] وحارم سقط فيه ضفادع فيها [٥] الرّوح باقية، وأنه شاهد ذلك.


[١] جوسية: قرية من قرى حمص على ستة فراسخ من دمشق، وفيها عيون تسقى أكثر بساتينها (معجم البلدان ٢: ١٥٤، والنجوم الزاهرة ٨: ٦١ هامش) .
[٢] خركاهات: جمع خركاه، واللفظ فارسى معناه الخيمة الكبيرة، أو البيت من الخشب يصنع على هيئة مخصوصة، ويغشى بالجوخ ونحوه يحمل فى السفر ليكون فى الخيمة للمبيت فى الشتاء (صبح الأعشى ٢: ١٣٨) .
[٣] هذا اللفظ من ص.
[٤] سرمين: بلد جنوب حلب على مسيرة يوم منها، وتقع فى نصف الطريق بين المعرة وحلب، وهى مدينة غير مسورة بها أسواق ومسجد جامع، ويشرب أهلها من الماء المجمع فى الصهاريج من الأمطار، وهى كثيرة الخصب، وبها كثير من شجر الزيتون والتين. (صبح الأعشى ٤: ١٢٦) .
[٥] فى الأصول «فيهم» .