للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خفية وأخبره بما انطوى عليه الجماعة وأشار عليه بمفارقة مخيمه وقال له: الآن يكبسوك. فرجع جوبان إليه واحتاط لنفسه، وركب لوقته وترك مخيمه وخزائنه وخيوله بحالها، ولم يخبر أحدا من أصحابه، ولم يستصحب غير ولده حسن، وأقبل قرمشى فى عشرة آلاف فارس من التتار والكرج والفرس، فسأل عن جوبان فقيل له، هو جالس فى مخيمه ينتظر حضور الدعوة فقصده وهجم على مخيّمه وشهر السيف وثار أصحاب جوبان وهم لا يدرون ما الخبر، وقاتلوا قتالا شديدا، قتل من الفريقين نحو ثلاثمائة فارس، وخلص قرمشى إلى خيمة جوبان فلم يجد غير إنسان اسمه أخى [١] ابو بكر فسأله عن جوبان فقال: هرب ولم يعرفّنا فضرب قرمشى عنق أخى أبو بكر، ونهب مخيم جوبان، وأمواله وخيوله وغير ذلك، وذلك فى جمادى الأولى وساق خلف جوبان فلم يدركه.

وأما جوبان فإنه استمر به السير إلى مدينة مرند [٢] فوصل إليها وليس معه غير نفرين من أصحابه، فتلقاه الأمير ناصر الدين ملكها وأمده بالخيل والمال والسلاح، ووصل معه إلى قرية بالقرب من تبريز [٣] تسمى دية صوفيان، ووصل خبره إلى تبريز فخرج إليه الوزير تاج الدين على شاة التبريزى- وزير الملك أبى سعيد- ومعه ألف فارس فأنزله وأكرمه، وأخرج إلى لقائه أهل تبريز بالفرح بمقدمه، ونصبت له القباب، وأمدوه بالخيول والسلاح، فبات بتبريز ليلة واحدة، وتوجّه إلى المدينة السلطانية، وصحبته الوزير على شاه وتقدم الوزير واجتمع بالملك أبى سعيد وتلطّف فى أمر جوبان وأحسن الثناء عليه، وذكر شفقته على الدولة واهتمامه بأمرها وحرمته وغض ممن نازعه، وخرج عليه، وقال: إن هؤلاء يحسدونه ويقصدون أن يتغير خاطر الملك عليه، فإذا قتله تمكنوا من الدولة وفعلوا ما أرادوا، وبلغوا أغراضهم الفاسدة قال: وقد بلغنى عن الأمير إيرنجى أنه يقول إن ابنه عليا أحق بالملك، لأنه من العظم الثانى، وأغراه به غاية، الإغراء فمال إلى قوله ورضى عن جوبان، وأذن له فى الدخول عليه فدخل [١٢٦] ومعه كفنه ويكى بين يدى الملك بكاء شديدا


[١] كذا فى ك، وف. وفى ص «أحى بو بكر» .
[٢] مرند: من مشاهير مدن أذربيجان، بينها وبين تبريز يومان، وقد تشعثت الآن وبدأ فيها الخراب منذ نهبها الكرج وأخذوا جميع أهلها (معجم البلدان ٥: ١٢٩) .
[٣] تبريز: أشهر مدن أذربيجان، وهى مدينة عامرة حسناء ذات أسوار محكمة. فى وسطها عدة أنهار، والبساتين محيطة بها (معجم البلدان ٢: ١٥) .