للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى هذه السفرة ما لم يسافر به ملك قبله- فيما بلغنا- فكان مما حمل معه على الظهر ثلاثة عشر حملا من المحاير [١] المحكمة المقيّرة، وجعل فيها الطين الإبليز وزرع فيه الرياحين والخضراوات وهو بنفسج حملان هندبا ثلاثة أحمال، فجل حمل واحد أسفا ناخ، حمل واحد كسفرة خضراء حمل واحد طرخون: حمل- نعناع: حمل- سلق: حمل- حوائج بقل: حمل- شمار: حمل- وعمل له مطبخ يطبخ عليه وهو محمول على الظهر، وكان يطبخ فيه والجمل سائر فلا يصل إلى المنزلة إلّا وقد تهيأ الطعام، وحمل له من ماء النيل ماء، شربه مدة سفره ومقامه وعوده هو وجماعة ممن معه، وحملت الخراف المسمنة المعلوفة فى المحاير على الجمال وهى تعلف وتسقى فى طول الطريق فى ذهابه ومقامه وعوده، وضحى منها بمنى، ولما عزم على الرحيل أمر نائبه الأمير سيف الدين أرغون بالمقام بقلعة الجبل ورسم لمن تأخر من الأمراء أن يتوجهوا إلى نواحى أقطاعهم فيكون كل منهم ببلاد أقطاعه إلى حين عوده، ولا يجتمع أمير بأمير فى غيبته، وكتب إلى النواب بالشام [١٢٨] أن يستقر كل نائب بمقر مملكته ولا يتوجه إلى صيد إلى حين عوده، فامتثلت أوامره.

وكان ركوبه من قلعة الجبل فى يوم السبت مستهل ذى القعدة، وأقام بظاهر القاهرة ما بين قلعة [٢] الجب ومنزلة العش [٣] إلى يوم الخميس السادس من الشهر، واستقل ركابه فى هذا النهار إلى الحجاز الشريف فى أمن الله ورعايته ثم توجه بعد ركاب السلطان الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير سيف الدين أرغون نائب السلطنة فكان توجهه من القاهرة فى يوم الإثنين سابع عشر ذي القعدة وأدرك الحج ووصل والسلطان بمكة شرفها الله تعالى، وتصدق السلطان بمكة- شرفها الله تعالى- بصدقات مبرورة وصلات موفورة وإنعام دان فأغنى بذلك الفقير وسد حاجة ذوى الحاجات وأحسن إلى أهل مكة إحسانا عاما شمل غنيهم وفقيرهم وكبيرهم وصغيرهم.


[١] المحاير: جاء فى القاموس المحيط إن المحاير جمع محارة وهى شبه الهودج أى أشبه بصندوقين يشدان على جانبى الرحل. انظر: (القاموس المحيط، المقريزى، المواعظ، ج ٢ ص ١٠١، كتاب السلوك، الجزء الثانى ص ٢٣٣ حاشيه ٢ للمرحوم الدكتور زيادة) .
[٢] قلعة الجب: المراد جب عميرة نسبة إلى عميرة بن جزء التجيبى، وهى المنزلة الأولى فى طريق الحج.
وتشتهر بمزلة الحاج، وكانت من متنزهات القاهرة، وينزل عندها الحجاج، وينطلقون منها فى طريق الحاج، كما ينزلون عندها عند عودتهم، وتقع فى الشمال الشرقى من القاهرة. شرقى محطة المرج وبالقرب منها. (وانظر الخطط للمقريزى ٢: ١٦٣) .
[٣] منزلة العش: تقع غربى البركة المعروفة بالعكرشة. وحوض العكرشة لا يزال موجودا ومعروفا تحت رقم ٤٧ بأراضى ناحية أبى زعبل وشرقى سكنها، وتسمى حاليا بكفر الشيخ سعيد بجوار مساكن أبى زعبل بمركز شبين القناطر، والنجوم الزاهرة ١٠: ٣٤١ هامش) .