للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخلطوها مع فلوس المعاملة، فخرجت فيها وتمادت عليها الأيام إلى أن كثرت وقلت الأولى، فتوقف الناس فى المعاملة بها وتزايد الأمر إلى أن غلقت الدكاكين وارتفعت الأسعار وتضاعفت، وكان السلطان قد توجه إلى الصيد بجهة الصعيد، ووصل إلى الأعمال القوصية، فلما عاد أنهى إليه حال الناس ووقوف معائشهم فأمر بأبطالها عددا وأن تدور بين الناس بالميزان حسابا عن كل رطل بالمصرى ثلاثة دراهم، وأمر بضرب فلوس جدد بدار الضرب عليها اسم السلطان وتاريخ ضربها زنة كل فلس منها نصف وربع وثمن، وأن يتعامل الناس بهذه الجدد عددا على العادة فمشت معائش الناس فى شهر ذى الحجة لكن غرم الناس جملة كثيرة فيما بين العدد والميزان، فكان الرطل منها إذا عد يكون سبعة دراهم عددا أو أكثر من ذلك وأقل ثم كان من أمر وقوفها ما نذكره فى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وما بعدها.

[ذكر خبر الحاج فى هذه السنة]

فى هذه السنة وقف الناس بعرفه فى يوم الجمعة بغير خلاف بينهم وحج من الديار المصرية خلق كثير فكانت الركوب [١] التى خرجت من الديار المصرية سبعة وهم ركب توجه فى شهر رجب كما تقدم وأربعة ركوب في شوال على العادة صحبة المحمل، رحل الركب الأول منهم فى يوم الإثنين سادس عشر شوال من بركة الجب، وآخرهم فى يوم الجمعة وتوجه نائب السلطنة الأمير سيف الدين أرغون بجماعة فى ذى القعدة وسبق الناس إلى مكة شرفها الله تعالى وتوجه القاضى فخر الدين ناظر الجيوش فى جماعة معه من مصر إلى البيت المقدس ومنه إلى مكة شرفها الله تعالى وتوجه من جهة البحر من ثغر عيذاب خلق كثير واجتمع بالموقف بعرفه ما يزيد على ثلاثين ركبا، ووصل ركب العراق إلى مكة وفيه خلق كثير وجماعة من أمراء التتار ومحمل من جهة الملك أبى سعيد بن خربندا، عليه غشاء أطلس، مرصع بأنواع الجواهر واليواقيت واللآلى والزمرد، وكان إذا وضع عن ظهر البختى ضرب عليه جسر عظيم واحتفال كثير، وكان مع أمراء الركب العراقى [١٤٢] صناجق سلطانية ناصرية وصناجق عليها رقوك [٢] الأمراء فجعل المحمل العراقى


[١] الركوب: جمع ركب: وهى تعادل أفواج الحجاج فى عصرنا هذا.
[٢] الرنوك: جمع، رنك: وهى كلمة فارسية معناها اللون. ولكنها فى إصطلاح المؤرخين تعنى الشعار الذى يتخذه الأمير لنفسه- عند تأمير السلطان له- علامة على وظيفة الإمارة التى عين عليها، ويجعل ذلك دهانا ملونا على أبواب بيته، والأماكن المنسوبة إليه، وعلى قماش خيامه وخيوله وجماله، وربما جعلت على السيوف والأقواس والصناجق وغيرها (صبح الأعشى ٤: ٦١، ٦٤) .