للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحفرون البركة المستجدة الناصرية، وتقدموا إلى كنيسة كانت مجاورة للبركة المذكورة، وارتقوا عليها، وحركت طبلخاناة الأمراء حربيا، فكان ذلك على صفة الزحف، فهدمها أولئك، ولم يتمكن الأمير ركن الدين بيبرس المندوب لحفر البركة، ولا الأمير شهاب الدين أحمد بن المهمندار [١] أمير النقباء من ردّهم، ولا قدروا على منعهم؛ لكثرتهم، ونهبوا ما كان فى الكنيسة بعد تشعيثها [٢] بالهدم، وكسرت أبوابها وما كان بها من الأوانى، وأريق ما بها من الخمور.

ولما اتصل خبر هدمها بالسلطان غضب، لانتهاك حرمة السلطنة، وتجرّى العوام وإقدامهم على هذا الأمر، ثم لم يكتف العوام بذلك إلى أن تقدموا إلى عدة كنايس، بالقاهرة ومصر، فنهبوها، ونبشوا قبور بعض أموات النصارى وحرقوهم، وشعّثوا الأبنية، واجتمع بعض عوام مصر، وتوجهوا إلى الكنيسة المعلّقة [٣] ، وقصدوا هدمها، فما مكّنوا من ذلك، فاشتد حرج السلطان، وأمر بالقبض على من أقدم على ذلك، فمسك بعض العوام وحبسوا، واستفتى السلطان القضاة فيما يلزم هؤلاء الذين انتهكوا الحرمة، فأفتوه بتعزيرهم بحسب رأى الإمام، فضرب بعضهم، وشق مناخير بعض، وأخرج من الاعتقال من أرباب الجرايم من وجب عليهم القتل، فوسّط منهم جماعة، وعلقوا فى أماكن تخويفا للعوام، ثم أعقب هذه الحادثة من الفتن ما نذكره.

[ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر [٤]]

لما وقع ما ذكرناه/ من هدم الكنايس، وقع أثر ذلك الحريق بمصر المحروسة، فكان أول ذلك أن احترقت دار الوكالة بالقاهرة فى شهر ربيع الآخر [٥] ، وهى التى عند باب البحر، وتعرف بفندق الخزّ، فاحترق فيها متاجر الناس من الزيت والعسل والأصناف، فعدم لهم جملة كثيرة، وظن الناس أن ذلك


[١] الضبط من (السبكي معيد النعم ص ٣١) وفى هامشه أنه مركب من مهمن- الضيف، دار- ممسك أو حافظ، وفى صبح الأعشى (٥/٤٥٩) هو الذى يتصدى لتلقى الرسل والعربان الواردين على السلطان، وينزلهم دار الضيافة، ويتحدث فى القيام بأمرهم.
[٢] يقال تشعث رأس الوتد أو المسواك: إذا تفرق والمعنى من ذلك على التشبيه.
[٣] الكنيسة المعلقة- كما فى المقريزى (الخطط ج ٢/٥١١) بمدينة مصر فى خط قصر الشمع وهى جليلة القدر عند النصارى.
[٤] فى «أ» ص ٩ ومصيره.
[٥] فى المقريزى (السلوك ٢/٢٢٠) أن ابتداء الحريق كان يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى وتواتر إلى سلخه «وقد أورد تفاصيل كثيرة لحوادث الحريق، وانظر فى هذا الخبر: النجوم (٩/٦٥- ٦٨) .