للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذا وكذا مما يعود نفعه على الدولة، وأن الناس قد كرهوه وربما شكوه، وأنه لا غرض له إلا فى مصلحة السلطان، ويقرر معه ذلك، فإذا اشتكى للسلطان لا يسمع فيه شكوى، ولا يلتفت إلى قول قائل، ويقرر فى ذهن السلطان أنه أنصح الناس له، وأن سائر الناس كرهوه بسبب نصحه للسلطان، وتحصيل أمواله، فبقى لا يسمع فيه شكوى، فكف الناس عن شكواه.

فلما قبض السلطان على كريم الدين الكبير، استمر هذا على وظيفته فى النظر إلى آخر يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الآخر، فرتبه السلطان فى صحابة ديوان الجيوش المنصورة عوضا عن القاضى معين الدين هبة الله بن حشيش [١] ، وخلع عليه على عادة من تقدمه، وباشر الوظيفة فى يوم الاثنين الثامن عشر من الشهر، وأعيد القاضى معين الدين إلى نظر الجيوش بالشام عوضا عن قطب الدين/ (٥٥) بن شيخ السلامية، واستمر كريم الدين فى هذه الوظيفة، وهو مع ذلك يكتب على عادته فى نظر الدواوين، وينفذ الأشغال إلى أن حضر الصاحب أمين الدين وفوضت إليه الوزارة، فمنع من ذلك، واستمر فى صحابة ديوان الجيوش، والناس فى أشد ألم بسبب سلامته.

فلما كان فى يوم السبت سلخ ربيع الآخر أمر السلطان بالقبض عليه، فقبض عليه هو وولده سيف الدين، وألزم بالحمل، واعتقل بالبرج بباب القرافة، ولو تمكن الناس منه أو ظهر لهم قتلوه، وكان ولده سيف الدين يخرج فى الترسيم ويركب حمارا، ويبيع قماش أبيه، ويحمل الثمن عنه، وأبيعت أملاكه، ثم سأل أن يحمل أربعماية ألف درهم، ويتصدق السلطان عليه بالإفراج عنه، فأجيب إلى ذلك، ثم نقل من البرج إلى القرافة، فأقام هناك بتربة الأمير سيف الدين طقتمر [٢] الدمشقى، بجوار تربة كريم الدين الوكيل، واستمر على ذلك إلى أن رسم بتوجهه إلى مباشرة نظر المملكة الصّفدية، فتوجه إلى ذلك فى يوم السبت الثانى عشر من جمادى الآخرة من السنة، وخرج من القرافة ليلا خوفا


[١] أورد النويرى ترجمته عند ذكر وفاته فى أخبار سنة ٧٢٩ ص ٢٩٤ من هذا الجزء.
[٢] كان «طقتمر الدمشقى» من مماليك الناصر وهو صبى، وكان الناصر يميل إليه كثيرا، فأمّره سنة ٧١٢ ومات فى رجب سنة ٧١٦ وانظر ترجمته فى (الدرر ٢/٢٢٤) .