للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه نظر الدولة، ومن الناس من أشاع أنه يلى الوزارة، ومنهم من أشاع أنه يفوّض إليه نظر الوكالة السلطانية، وقلق الناس لذلك قلقا عظيما، فلما وصل إلى المخيّم السلطانى لم يجد قبولا من السلطان، وأنكر عليه إنكارا شديدا، ثم رسم له بملازمة داره بظاهر القاهرة، وطلب القاضى شرف الدين عبد الرحمن الخطير- وهو ناظر ديوان نائب السلطنة الشريفة- فى ليلة الثلاثاء سادس شهر ربيع الأول، وفوض إليه نظر النّظّار والصحبة، على عادة شمس الدين غبريال، وخلع عليه، وذلك بمنزلة سفط [١] من الأعمال الجيزية، وباشر ذلك، واستمر كريم الدين بمنزله بخط بركة قرموط، ومنع من فتح بابه، واجتماع الناس إليه إلى أن عاد السلطان إلى قلعة الجبل، فكتب له توقيع بإشارة الوزير الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى بنظر منفلوط، ورسم له بتشريف على عادة نظّار الجهة، فقلق لذلك قلقا شديدا، فاعتنى به نائب السلطنة الأمير سيف الدين أرغون، وخاطب السلطان فى أمره، وأوضح له التحامل عليه، فقطع التوقيع، وبطل ما كان قد رسم به فيه.

وفى ليلة الاثنين رابع شهر ربيع الآخر توجه كريم الدين المذكور إلى الحمّام فرصده جماعة [٢] إلى أن خرج منه، فوثبوا عليه، وضربه أحدهم بسيفه، فالتقى الضربة بدبوسه، ثم هرب بفرسه، فسلم، وقتل اثنان ممن كانوا معه، وجرح الثالث، فأما أحد المقتولين فاحتمله الرجال الذين وثبوا على كريم الدين، فلم يعلم خبره، وأما الثانى فأثخنته الجراحة فمات فى يوم الاثنين صبيحة تلك الليلة، وأمسك الذى جرح وكان من الجند من أصحاب كريم الدين ممن كان معه فى الحمام، وقيل له: إنما كنت مع الذين قصدوا قتله، فاعتقل بسجن الولاية، وكان معه أيضا نفران من خير الحرسة، فمسكوا وقيّدوا، واستعملوهم فى جملة المقيدين بالعمارة السلطانية، وسأل كريم الدين عقيب هذه الحادثة أن يفسح له فى سكن القاهرة، فرسم له بذلك فسكنها.


[١] فى ابن مماتى (قوانين الدواوين ص ١٥٠) سفط نهيا: من أعمال الجيزية.
[٢] فى السلوك (٢/٢٧١) أن السلطان هو الذى رسم للوزير مغلطاى بقتل كريم الدين أكرم الصغير خفية، فتقدم الوزير إلى والى القاهرة بذلك، فوضع له أعينا يترقبون فرصة، إلى أن ركب من داره يريد الحمام بعد العشاء الآخرة من ليلة الاثنين رابع ربيع الآخر ... » ثم يسوق المقريزى بقية خبر كريم الدين بعبارة قريبة من عبارة النويرى هنا.