للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنهض الفقهاء بدمشق عند ذلك، وتكلموا على الشيخ تقى الدين، وكتبوا فتيا تتضمن ما صدر منه، وذكروا هذه المسألة وغيرها [١] ، فأفتى العلماء بكفره، وعرضت/ (٢٢٠) الفتيا على نائب السلطنة بالشام، الأمير سيف الدين تنكز، فطالع السلطان بذلك، فجلس السلطان فى يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر رجب بالميدان الذى هو بذيل قلعة الجبل، وأحضر القضاة والعلماء، وعرض عليهم ما ورد فى أمره من دمشق، فأشار قاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى باعتقال تقى الدين المذكور، فرسم باعتقاله ومنعه من الفتيا، ومنع الناس من الاجتماع به، وأن يؤدّب من هو على معتقده، وتوجه البريد بذلك، فوصل إلى دمشق فى يوم الاثنين سادس شعبان، فاعتقل، وقرىء المثال السلطانى بعد صلاة الجمعة العاشر من الشهر على السدة بجامع دمشق.

ثم طلب قاضى القضاة القزوينى جماعة من أصحاب تقى الدين فى يوم الجمعة الرابع والعشرين من الشهر إلى المدرسة العادلية [٢] ، وكانوا قد اعتقلوا بسجن الحكم، فادعى على العماد إسماعيل صهر الشيخ جمال الدين المزّى أنه قال: إن التوراة والإنجيل لم يبدّلا، وأنهما كما أنزلا، فأنكر، فشهد عليه بذلك، فضرب بالدّرّة، وأشهر وأطلق.

وادعى على عبد الله الإسكندرى، والصلاح الكتبى، وغيرهما بأمور صدرت منهم، فثبت ذلك عليهم، فضربوا بالدرة، وأشهروا فى البلد.

وطلب الشمسى أمام المدرسة الجوزية وسئل/ (٢٢١) عما صدر منه فى مجلس وعظه بالقدس ونابلس، فأنكر ذلك، فشهد عليه من حضر مجلسيه بما تلفظ ممن كان قد توجه من عدول دمشق لزيارة البيت المقدس، فثبت ذلك عليه فضرب بالدّرّة، وأشهر على حمار بدمشق والصالحية [٣] ، وقيّد، واعتقل


[١] فى السلوك (٢/٢٧٣) إشارة إلى أن من المسائل التي أخذت على ابن تيمية قوله: «أن الطلاق بالثلاث لا يقع بلفظ واحد» . وأورد ابن حجر فى ترجمته مسائل أخرى مما أخذ عليه (الدرر ٢/٢٦٦) .
[٢] المدرسة العادلية: هما عادليتان: العادلية الكبرى، والعادلية الصغرى، والمراد هنا الكبرى التى بناها نور الدين محمود بن زنكى، ولم يتمها، ثم بنى بعضها الملك العادل سيف الدين، وأوقف عليها قرى دريج وركيس ونيطا، ثم بناها بعده الملك العادل أبو بكر بن أيوب أخو صلاح الدين (الدارس فى تاريخ المدارس ١/٣٥٩- ٣٦٢) .
[٣] الصالحية: قرية كبيرة ذات أسواق وجامع فى سفح جبل قاسيون المشرف على دمشق، وأكثر أهلها مهاجرة من نواحى بيت المقدس (مراصد ٢ ص ٨٣٠) أنشئت على رأس المائة الخامسة، وسببها مهاجرة المقادسة حين استيلاء الإفرنج على بيت المقدس (المروج السندسية فى تلخيص تاريخ الصالحية ص ٢) .