للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما اتصل خبر مقتله بوالده الأمير جوبان أظهر الخلاف، وعزم على حرب الملك أبى سعيد، ورجع بالعساكر التى كانت معه من خراسان، وتوجه الملك أبو سعيد لقتاله بمن بقى عنده من العساكر، وتقدم كل منهما بعساكره إلى الآخر، حتى بقى بينهما منزلة أو نحوها، ففارقه أكثر من كان معه من الأمراء أولا فأولا، والتحقوا بالملك أبى سعيد، فعند ذلك رجع جوبان بمن بقى معه إلى خراسان، ففارقه من بقى معه من الأمراء إلى خدمة الملك، وبقى فى نحو ستمائة فارس من ألزامه ومماليكه، فتوجه بهم، ولم يتبعه الملك أبو سعيد، ولا جرّد خلفه عسكرا، بل رضى كل منهما من الغنيمة بالإياب، ولعله إنما ترك ذلك خشية أن يكون لحاق من كان مع جوبان من العساكر/ (٢٦٦) به مكيدة، وعزم جوبان على اللحاق بأولاد الملك كبك، والاستنصار بهم على حرب الملك أبى سعيد.

فلما وصل إلى هراة [١]- من أعمال خراسان- خرج إليه نائبها، وهو أمير جرىء مقدام، له فتكات معروفة، وهو ممن أنشأه جوبان وقدمه فتلقاه وخدمه وعرض عليه الدخول إلى هراة والإقامة بها إلى انقضاء فصل الشتاء، ويتوجه بعد ذلك إلى حيث أحب، فركن إلى قوله، ووثق به، ويقال: إن ابنه حسن كره ذلك ونهى والده عنه، وذكره بغدراته، وكان قد حصل لجوبان مرض منعه من إدامة الحركة والسير، فترجح عنده الدخول إلى هراة، فدخل إليها، وفارقه ابنه حسن، والتحق بالملك أزبك صاحب صراى والبلاد الشمالية، فأكرمه أزبك، وأحسن إليه، ولما صار جوبان بهراة بادر نائبها بالقبض عليه وقتله، وكتب إلى الملك أبى سعيد بذلك.

وقتل أيضا ولد لجوبان بكردستان [٢] ، ثم حمل جوبان فى تابوت، وجىء به إلى بغداد فى سابع عشرين شوال سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وصلى عليه بالمدرسة المستنصرية، ثم حمل إلى مكة- شرفها الله تعالى- فى جملة الركب


[١] هراة: مدينة مشهورة من أمهات مدن خراسان، كثيرة المياه والبساتين. مراصد الاطلاع ٣/١١٤٥، وكانت من مدن العلم قبل العصر التترى.
[٢] كردستان: كانت قديما إقليما هاما من بلاد فارس يقع شمالى كرمانشاه وجنوبى أذربيجان، وعاصمته سنندج (صفحات عن إيران ص ١٥) .