للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمطار متواترة الهطل والبروق تلمع، وأصداء الجبال والأودية بأصوات الرّعود للقلوب تصدع، حتى ظن أهلها أنها قد أزفت الآزفة، فارتفعت الأصوات بأن ليس لها من دون الله كاشفة، ولفت الرءوس، ووجلت القلوب، وذرفت العيون، وطاشت الألباب، وخضعت الرقاب، ومدت الأيدى بالدعاء لمن بيده أمر الأرض والسماء، وعاينوا فى ذلك اليوم هولا عظيما، وأشفقوا أن يكون أرسل الله عليهم عذابا أليما، فبينما الناس على ذلك الحال ذاهلين، يقولون رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ

[١] إذ دهمهم سيل عظيم ماؤه، طام عبابه هام سحابه، له دوى شديد، قد اجتمع من عيون الجبال وبطون الأودية وقرار الوهاد، فالتقى الماء على أودية بأمر قد قدر، إن فى ذلك لآية فهل من مدّكر [٢] ، فارتفع العويل، وسكبت العبرات، واشتد الخوف، وتضاعفت الحسرات، وفر كل واحد من الناس يطلب النجاة لنفسه، واحتسب عند الله جميع ماله وعقاره وغرسه، فأخذ هذا السيل العظيم ما كان فى ممرّه من الدور والقياسير والأسواق، ودخل الطواحين والبساتين، وأخذ جانبا من حارة المشارقة المجاورة للوادى، وأخذ العرصة وسوق الأدميّين، وسوق القطانين، وبعض دار الطعن وسوق الأقباعين، وسوق الخليع، وقيسارية التجار المعروفة بإنشاء الأمير سيف الدين بكتمر، والقيسارية القديمة، وأخذ من قيسارية ملك الأمراء الموقوفة على البيمارستان بصفد عشرين حانوتا، وضعضع بقية الجدر، وهدم الأبواب وهدم سوق الصاغة، وهدم سوق النامية، الذى بقرب العين، وهدم وقف الجامع، وسوق السقطيين، وأما السوق المعروف بإنشاء الأمير علاء الدين بن معبد وسوق اللحامين وحوانيت الخبّازين فإنه أخذه، وأخذ السوق المعروف بإنشاء الأمير سيف الدين النائب كان بقلعة عجلون، والحوانيت المعروفة بوقف القاضى فخر الدين ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية الموقوفة على مدرسته بنابلس وأخذ المدرسة النفيسيّة [٣]


[١] سورة الأعراف ٢٣.
[٢] اقتباس لأسلوب القرآن، فى الآية الكريمة وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟.
[٣] فى «ك» النفيسة» وصوابه «النفيسية» وهى «بالرصيف، قبلى المارستان الدقاقى، وباب الزيارة (وهو باب الجامع الأموى القبلى) قال الذهبى فى العبر: أنشئت سنة ٦٩٦ هـ، وهى منسوبة إلى النفيس إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحرانى ثم الدمشقى ناظر الأيتام، وواقف النفيسية بالرصيف (الدارس فى تاريخ المدارس ١/١١٤) .