للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الاستدلال بالموضوعات والغرائب والأفراد من رواية المكذّبين والمجرحين الذين لا تقوم بروايتهم حجّة، وبأقاويل من فسّر القرآن على حسب مراده ورأيه، فلا يرجع إلى قولهم ولا يسلك طريقهم؛ إذ لو جاز ذلك لم يكن قول أحد من الناس أولى من قول غيره، وإنما يلزم بقول من أيّد بالوحى والتنزيل، وعصم من التغيير والتبديل. قال الله تعالى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)

. فعلمنا أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر ولم ينه عن أمر إلا بوحى من الله تعالى. وكذلك كان صلّى الله عليه وسلم اذا سئل عن أمر لم ينزل فيه وحى توقّف حتى يأتيه الوحى، وليست هذه المنزلة لغيره فيلزم قبول قوله.

ذكر ما استدلّوا به على إباحة الغناء من الأحاديث النبوية

قد استدلّوا على إباحة الغناء بأحاديث صحيحة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

منها ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: دخل علىّ أبو بكر رضى الله عنه وعندى جاريتان من جوارى الأنصار تغنّيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنّيتين؛ فقال أبو بكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! وذلك يوم عيد. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» . ومن طريق آخر عنها رضى الله عنها قالت: دخل علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعندى جاريتان تغنّيان بغناء بعاث؛ فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهزنى وقال: مزمارة الشيطان عند النبىّ صلى الله عليه وسلم! فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعهما» . فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدّرق والحراب، فإمّا سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا قال: «تشتهين تنظرين» فقلت نعم.