للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أن يكون قد انكسرت شهوته وأمنت غائلته وانفتحت بصيرته واستولى على قلبه حبّ الله تعالى، ولكنه لم يحكم ظاهر العلم ولم يعرف أسماء الله وصفاته وما يجوز عليه وما يستحيل، وإذا فتح له باب السماع نزل المسموع في حقّ الله تعالى على ما يجوز وما لا يجوز، فيكون ضرره من تلك الخواطر التى هى كفر أعظم عليه من نفع السماع. قال سهل: كلّ وجد لا يشهد له الكتاب والسنّة فهو باطل.

فلا يصلح السماع لمثل هذا ولا لمن قلبه بعد ملوّث بحبّ الدنيا وشهوة المحمدة والثناء، ولا من يسمع لأجل التلذّذ والاستطابة بالطبع، فيصير ذلك عادة له ويشغله عن عبادته ومراعاة قلبه وتنقطع عليه طريقة الأدب؛ فالسماع مزلّة قدم يجب حفظ الضعفاء عنه.

الأدب الثالث- أن يكون مصغيا إلى ما يقوله القائل،

حاضر القلب، قليل الالتفات إلى الجوانب، متحرّزا عن النظر إلى وجوه المستمعين وما يظهر عليهم من أحوال الوجد، مشتغلا بنفسه ومراعاة قلبه ومراقبة ما يفتح الله له من رحمته في سرّه، متحفّظا عن حركة تشوّش على أصحابه قلوبهم؛ بل يكون ساكن الظاهر، هادىء الأطراف متحرّزا عن التنحنح والتثاؤب، يجلس مطرقا رأسه كجلوسه في فكر مستغرق لقلبه، متماسكا عن التصفيق والرقص وسائر الحركات على وجه التصنّع والتكلّف والمراءاة، ساكتا عن النطق في أثناء القول بكل ما عنه بدّ. فإن غلبه الوجد وحرّكه بغير اختيار فهو فيه معذور وغير ملوم؛ ومهما رجع إليه اختياره فليعد إلى هدوّه وسكونه. ولا ينبغى أن يستديمه حياء من أن يقال: انقطع وجده على القرب، ولا أن يتواجد خوفا من أن يقال: هو قاسى القلب عديم الصفاء والرقّة. قال: وقوّة الوجد تحرّك، وقوّة العقل والتماسك تضبط الظواهر. وقد يغلب أحدهما الآخر إما لشدّة قوّته، وإما لضعف ما يقابله، ويكون النقصان والكمال بحسب ذلك. فلا