للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسحاق رطلا؛ فدفع الرطل إلىّ وضرب وغنّى في شعر لأبى العتاهية بلحن صنعه فيه:

أضحت قبورهم من بعد عزّتهم ... تسفى عليها الصّبا والحرجف الشّمل

لا يدفعون هواما عن وجوههم ... كأنهم خشب بالقاع منجدل

فشربت الرطل ثم قمت. فدعوت له، فاحتبسنى وقال: أتشتهى أن تسمعه بالله؟ فقلت: إى والله، فغنّانيه ثانية وثالثة، وصاح ببعض خدمه وقال: احمل إلى إسحاق الساعة ثلاثمائة ألف درهم. قال: يا إسحاق، قد سمعت ثلاثة أصوات وشربت ثلاثة أرطال وأخذت ثلاثمائة ألف درهم، فانصرف إلى أهلك مسرورا ليسّروا معك، فانصرفت بالمال. وقال أبو الفرج بسنده إلى عريب المأمونيّة قالت: صنع الواثق بالله مائة صوت ما فيها صوت ساقط. ولقد صنع فيّ هذا الشعر:

هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدنى إليك فإن الحبّ أقصانى

هذا كتاب فتى طالت بليّته ... يقول يا مشتكى بثّى وأحزانى

قال: وكان الواثق بالله إذا أراد أن يعرض صنعته على إسحاق نسبها إلى غيره فقال: وقع إلينا صوت قديم من بعض العجائز فاسمعه، وأمر من يغنّيه إياه. وكان إسحاق يأخذ نفسه بقول الحقّ في ذلك أشدّ أخذ، فإن كان جيّدا رضيه واستحسنه وإن كان فاسدا أو مطّرحا أو متوسّطا ذكر ما فيه. فإن كان للواثق فيه هوى سأله تقويمه وإصلاح فاسده وإلّا اطّرحه. وقال إسحاق بن إبراهيم: كان الواثق أعلم الناس بالغناء، وبلغت صنعته مائة صوت، وكان أحذق من غنّى بضرب العود، ثم ذكر أغانيه. وذكر أبو الفرج الأصفهانىّ منها أصواتا؛ منها:

ولم أر ليلى غير موقف ليلة ... بخيف منّى ترمى جمار المحصّب

ويبدى الحصى منها إذا خذفت به ... من البرد أطراف البنان المخضّب