للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن سريج قال: هذا والله أحسن الناس غناء لا أنا. وقال المدائنىّ، قال مسلمة «١» ابن محارب: حدّثنى رجل من أصحابنا قال: خرجنا في سفر ومعنا رجل من أصحابنا فانتهينا إلى واد، فدعونا بالغداء، فمدّ الرجل يده إلى الطعام فلم يقدر عليه، وكان قبل ذلك يأكل معنا؛ فخرجنا نسأل عن حاله فنلقى «٢» رجلا طويلا أحول مضطرب الخلق في زىّ الأعراب؛ فقال لنا: ما لكم؟ فأنكرنا سؤاله لنا؛ فأخبرناه خبر الرجل فقال: ما اسم صاحبكم؟ فقلنا: أسيد؛ فقال: هذا واد قد أخّذت «٣» سباعه فارتحلوا، فلو قد جاوزتم الوادى استمرّ «٤» صاحبكم وأسد «٥» وأكل. قلنا في أنفسنا: هو من الجنّ، ودخلتنا فزعة. ففهم ذلك وقال: ليفرخ روعكم فأنا طويس. فقال له رجل منّا:

مرحبا بك أبا عبد النعيم، ما هذا الزّىّ؟! فقال: دعانى بعض أودّائى من الأعراب فخرجت إليهم وأحببت أن أتخطّى الأحياء فلا ينكرونى. فسأله رجل منّا أن يغنّينا؛ فاندفع ونقر بدفّ كان معه مربّع، فلقد خيّل لى أنّ الوادى ينطق معه حسنا.

وتعجّبنا من علمه وما أخبرنا به من أمر صاحبنا.

قال المدائنىّ: وكان طويس ولعا بالشعر الذى قالته الأوس والخزرج فى حروبهم، وكان يريد بذلك الإغراء؛ فقلّ مجلس اجتمع فيه هذان الحيّان فغنّى فيه طويس إلا وقع فيه شىء. فنهى عن ذلك، فقال: والله لا تركت الغناء بشعر الأنصار حتى يوسّدونى التراب؛ وذلك لكثرة تولّع القوم به، وكان يبدى السرائر ويخرج الضغائن؛ وغناؤه يستحسن ولا يصبر عن حديثه.