للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نوحنا على قتلانا فتأخذه وتغنّى عليه؟ قال نعم. فأسمعنه المراثى فآحتذاها وخرّج غناءه عليها. وكان ينوح مع ذلك فيدخل المآتم وتضرب دونه الحجب ثم ينوح فيفتن كلّ من سمعه. فلما كثر غناؤه عدل الناس إليه لما كان فيه من الشّجا «١» ؛ فكان ابن سريج لا يغنّى صوتا إلا عارضه فيه فيغنّى فيه لحنا آخر. فلما رأى ابن سريج موقع الغريض اشتدّ عليه وحسده، فغنّى الأرمال والأهزاج، فاشتهاها الناس. فقال له الغريض: يا أبا يحيى قصّرت الغناء وحذفته. قال: نعم يا مخنّث حين جعلت تنوح على أبيك وأمّك. قال: ولم يفضّل ابن سريج عليه إلا بالسّبق، وأما غير ذلك فلا.

وقال بعضهم: كان الغريض أشجى غناء، وابن سريج أحكم صنعة. وحكى أبو الفرج الأصفهانى بسند رفعه إلى أيّوب بن عباية عن مولى لآل الغريض قال:

حدّثنى بعض مولياتى وقد ذكرن الغريض فترحّمن عليه وقلن: جاءنا يوما فحدّثنا بحديث أنكرناه عليه ثم عرفناه بعد ذلك حقيقة. قالت: وكان ابن سريج بجوارنا فدفعناه إليه ولقّن الغناء، وكان من أحسن الناس صوتا، ففتن أهل مكة بحسن وجهه مع حسن صوته. فلما رأى ذلك ابن سريج نحّاه «٢» عنه. فكان بعض مولياته تعلّمه النّياحة فبرّز فيها. فجاءنى يوما فقال: نهتنى الجنّ أن أنوح وأسمعتنى صوتا عجيبا، فقد ابتنيت عليه لحنا فاسمعيه منى، فاندفع فغنّى بصوت عجيب في شعر لمرّار الأسدىّ:

حلفت لها بالله ما بين ذى الغضا ... وهضب القنان «٣» من عوان ومن بكر