للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقدمت به أمّه وبإخوة له وأخوات أيتام لا شىء لهم. وكان يسأل الناس على باب حمزة بن الزبير. وكان معبد منقطعا إلى حمزة يكون عنده في كل يوم. فسمع مالك غناءه فأعجبه واشتهاه. وكان لا يفارق باب حمزة يسمع غناء معبد إلى الليل ولا يطوف بالمدينة ولا يطلب من أحد شيئا ولا يريم موضعه «١» ، فينصرف إلى امه ولم يكسب شيئا فتضربه، وهو مع ذلك يترنّم بألحان معبد فيؤدّيها نغما بغير لفظ.

وجعل حمزة كلما غدا أو راح رآه ملازما لبابه؛ فقال لغلامه يوما: أدخل هذا الغلام إلىّ فأدخله الغلام اليه؛ فقال له حمزة: من أنت؟ قال: غلام من طيئ أصابتنا حطمة بالجبلين فهبطنا إليكم ومعى أمّ لى وإخوة، وإنى لزمت بابك فسمعت من دارك صوتا أعجبنى ولزمت بابك من أجله. قال: فهل تعرف منه شيئا؟

قال: أعرف لحنه كلّه ولا أعرف الشعر. فقال: إن كنت صادقا إنك لفهم.

ودعا بمعبد فأمره أن يغنّى صوتا فغنّاه، ثم قال لمالك: هل تستطيع أن تقوله؟

قال نعم. قال: هاته؛ فاندفع فغنّاه فأدّى نغمه بغير شعر «٢» ، يؤدّى مدّاته وليّاته وعطفاته ونبراته ومتعلقاته لا يخرم منه حرفا. فقال لمعبد: خذ هذا الغلام إليك وخرّجه فليكوننّ له شأن. قال معبد: ولم أفعل ذلك؟ قال: لتكون محاسنه منسوبة إليك وإلّا عداك إلى غيرك فكانت محاسنه منسوبة إليه. فقال معبد: صدق الأمير، وأنا أفعل ما أمرتنى به. قال حمزة لمالك: كيف [وجدت «٣» ] ملازمتك لبابنا؟ قال: أرأيت إن قلت فيك غير الذى أنت له مستحقّ من الباطل أكنت ترضى بذلك؟ قال لا. قال: وكذلك لا يسرّك أن تحمد بما لم تفعل؛ قال نعم. قال: فو الله ما شبعت على بابك شبعة قط، ولا انقلبت إلى أهلى منه بخير. فأمر له ولأمّه ولإخوته بمنزل