للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يهمّ بنا حتى إذا قلت قد دنا ... وجاذبنى عطفاه مال إلى البخل

يزيد امتناعا كلما زدت صبوة ... وأزداد حرصا كلما ضنّ بالبذل

فأحسن فيه ما شاء وأجمل، فغمزت عليه محمد الرفّ وفطن لما أردت، واستحسنه الرشيد وشرب عليه واستعاده مرتين أو ثلاثا. ثم قمت إلى الصلاة وغمزت الرف فجاءنى، وأومأت إلى مخارق وعلويّه وعقيد فجاءونى؛ فأمرته بإعادة الصوت فأعاده وأدّاه كأنه لم يزل يرويه؛ ولم يزل يكرره على الجماعة حتى غنّوه. ثم عدت إلى المجلس؛ فلما انتهى الدور إلىّ ابتدأت فغنيّته قبل كل شىء غنيّته. فنظر إلى ابن جامع محدّدا طرفه؛ وأقبل علىّ الرشيد وقال: أكنت تروى هذا الصوت؟

قلت: نعم يا سيّدى. فقال ابن جامع: كذب والله ما أخذه إلا منى الساعة.

فقلت: هذا صوت أرويه قديما، وما فيمن حضر [أحد] [١] إلا وقد أخذه منّى. وأقبلت عليهم فقلت لهم: غنّوه؛ فغنّاه علّويه ثم عقيد ثم مخارق. فوثب ابن جامع فجلس بين يديه فحلف بحياته وبطلاق امرأته أنّ اللحن صنعه منذ ثلاث ليال وما سمع به قبل ذلك الوقت. فأقبل الرشيد علىّ وقال: بحياتى اصدقنى عن القصّة، فصدقته، فجعل يضحك ويصفّق ويقول: لكل شىء آفة، وآفة ابن جامع الرفّ.

قال إسحاق بن إبراهيم: كان محمد الرفّ أروى خلق الله تعالى للغناء وأسرعهم أخذا لما سمعه، ليست عليه فى ذلك كلفة، إنما يسمع الصوت مرة واحدة وقد أخذه.

وكنا معه فى بلاء إذا حضر، فكان [٢] كل من غنّى منّا صوتا فسأله عدو له أو صديق بأن يلقيه عليه فبخل ومنعه إياه وسأل محمد الرفّ أن يأخذه فما هو إلا أن يسمعه مرّة واحدة حتى أخذه وألقاه على من سأله. قال: وكان أبى يبرّه ويصله ويجديه من


[١] زيادة من الأغانى.
[٢] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «وكل من غنى الخ» .