للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد صحّ لى. وأحسست فى نفسى قوّة فى الصناعة، فصنعت أوّل صوت صنعته فى شعر العرجىّ:

أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدّين بردا مهلهلا

ثم صنعت:

أقفر من بعد خلّة شرف ... فالمنحنى فالعقيق فالجرف

وعرضتهما على الجارية التى كنت أهواها وسألتها عما عندها فيهما؛ فقالت:

لا يجوز أن يكون فى الصنعة فوق هذا. وكان جوارى الحارث بن بسخنّر وجوارى أبيه يدخلن إلى دارنا فيطرحن على جوارى عمّتى وجوارى جدّى ويأخذن أيضا ما ليس عندهن، فأخذنهما منّى، وسألن الجارية عنهما فأخبرتهن أنهما من صنعتى.

ثم اشتهرا حتى غنّى الرشيد بهما يوما فاستظرفهما، وسأل إسحاق: هل تعرفهما؟

فقال: لا، وإنهما لمن أحسن الصنعة وجيّدها ومتقنها. ثم سأل الجارية عنهما فوقفت خوفا من عمّتى وحذرا أن يبلغ جدّى أنها ذكرتنى؛ فانتهرها الرشيد فأخبرته القصّة؛ فوجّه من وقته فدعا بجدّى فقال له: يا فضل، أيكون لك ابن يغنّى ثم يبلغ فى الغناء المبلغ الذى يمكنه أن يصنع صوتين يستحسنهما إسحاق وسائر المغنين ويتداولهما جوارى القيان فلا تعلمنى بذلك، كأنك رفعت قدره عن خدمتى فى هذا الشأن! فقال له جدّى: وحقّ ولائك يا أمير المؤمنين ونعمتك وإلا فأنا برئ من بيعتك وعلىّ العهد والميثاق [١] والعتق والطلاق إن كنت علمت بشىء من هذا قط إلا منك الساعة. [فمن هذا من ولدى؟ قال: عبد الله بن العباس هو [٢] ، فأحضرنيه.

الساعة [٣]] . فجاء جدّى وهو يكاد أن ينشق غيظا، فدعانى؛ فلما خرجت إليه شتمنى


[١] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «والبيان» .
[٢] لعل العبارة: «هو عبد الله ابن العباس» .
[٣] زيادة عن الأغانى.