للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا دعت بالعود فى مشهد ... وعاونت يمنى يديها الشّمال

غنّت غناء يستفزّ الفتى ... حذقا وزان الحذق منها الدّلال

قال: وهوى محمد بن عيسى الجعفرىّ بصبص فهام بها وطال ذلك عليه؛ فقال لصديق له: قد شغلتنى هذه عن صنعتى وكلّ أمرى، وقد وجدت مسّ السّلوّ عنها، فاذهب بنا إليها حتى أكاشفها ذلك وأستريح. فأتياها؛ فلما غنّتهما قال لها محمد بن عيسى: أتغنّين:

وكنت أحبّكم فسلوت عنكم ... عليكم فى دياركم السّلام

فقالت: لا، ولكنى أغنّى:

تحمّل أهلها عنها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء

قال: فاستحيا وازداد بها كلفا ولها عشقا؛ فأطرق ساعة ثم قال لها: أتغنّين:

وأخضع بالعتبى إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذى أتنصّل

قالت: نعم، وأغنّى أحسن منه:

فإن تقبلوا بالودّ نقبل بمثله ... وننزلكم منّا بأقرب منزل

فتقاطعا فى بيتين وتواصلا فى بيتين، وما شعر بهما أحد.

قال: وحضر أبو السائب المخزومىّ مجلسا فيه بصبص، فغنّت:

قلبى حبيس عليك موقوف ... والعين عبرى والدمع مذروف

والنفس فى حسرة بغصّتها ... قد شفّ أرجاءها التساويف

إن كنت بالحسن قد وصفت لنا ... فإنّنى بالهوى لموصوف

يا حسرتا حسرة أموت بها ... إن لم يكن لى إليك معروف

قال: فطرب أبو السائب ونعر وقال: لا عرف الله من لا يعرف لك معروفك، ثم أخذ قناعها عن رأسها ووضعه على رأسه وجعل يبكى ويلطم ويقول