للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: من زهد فى الدنيا أربعين يوما اجرى الله ينابيع الحكمة فى قلبه وأطلق بها لسانه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أردت أن يحبّك الله فازهد فى الدنيا»

فجعل الزهد سببا للمحبّة؛ فمن أحبّه الله فهو فى أعلى الدرجات، فينبغى أن يكون الزهد فى أفضل المقامات. ولما

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ

وقيل له: ما هذا الشرح؟ قال: «إن النّور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح» . قيل:

يا رسول الله، هل لذلك من علامة؟ قال: «نعم التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله» .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حقّ الحياء» قالوا: إنا نستحيى من الله، فقال: « [ليس كذلك [١]] تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون»

. فبيّن أن ذلك يناقض الحياء من الله.

وقدم وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنّا مؤمنون. قال: «وما علامة إيمانكم؟» فذكروا الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، والرّضا بمواقع القضاء، وترك الشماتة بالمصيبة إذا نزلت بالأعداء. قال: «إن كنتم كذلك فلا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا فيما عنه ترحلون»

؛ فجعل الزهد تكملة إيمانهم.

وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ فى أصحابه بإبل عشار حفّل وهى الحوامل، وكانت من أحبّ أموالهم إليهم وأنفسها عندهم، لأنها تجمع بين اللحم واللبن والوبر والظّهر، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغضّ بصره. فقيل له: يا رسول الله، هذه أنفس أموالنا، لم لا تنظر إليها؟ فقال: قد نهانى الله عن ذلك، ثم تلا قوله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى.


[١] التكملة من الإحياء.