للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانية: أن يدّخر لشهر أو أربعين يوما.

والثالثة: أن يدّخر لسنة فقط، وهذه رتبة ضعفاء الزهّاد. ومن ادّخر لأكثر من ذلك فتسميته زاهدا محال؛ لأنّ من أمّل بقاء أكثر من سنة فهو طويل الأمل جدّا فلا يتمّ منه الزهد إلا إذا لم يكن له كسب ولم يرض لنفسه الأخذ من أيدى الناس، كداود الطانىّ فإنه ورث عشرين دينارا فأمسكها وأنفقها عشرين سنة، فهذا لا يضادّ الزهد إلا عند من جعل التوكل شرط الزهد.

وأمّا عرضه فبالإضافة الى المقدار، وأقل درجاته فى اليوم والليله نصف رطل، وأوسطه رطل، وأعلاه مدّ- وهو ما قدّره الله تعالى فى إطعام المساكين فى الكفّارة- وما وراء ذلك فهو اتساع واشتغال بالبطن. ومن لم يقدر على الاقتصار على مدّ لم يكن له من الزهد فى البطن نصيب.

وأمّا بالإضافة إلى الجنس فأقلّه ما يقوت وهو الخبز من النّخالة، وأوسطه خبز الشعير والذرة، وأعلاه خبز البرّ غير منخول؛ فاذا ميّزت النّخالة منه وصار حوّارى فقد دخل فى التنعّم وخرج عن آخر أبواب الزهد فضلا عن أوائله.

وأمّا الأدم، فأقلّه الملح أو البقل والخلّ، وأوسطة الزيت أو يسير من الأدهان، وأعلاه اللحم وذلك فى الأسبوع مرّة أو مرّتين؛ فإن صار دائما أو أكثر من مرّتين فى الأسبوع خرج من آخر أبواب الزهد فلم يكن صاحبه زاهدا فى البطن أصلا.

وأمّا بالإضافة إلى الوقت فأقلّه فى اليوم والليلة مرّة وهو أن يكون صائما ثم يفطر فى وقت الإفطار؛ وأوسطه أن يصوم ويشرب ليلة ولا يأكل، ويأكل ليلة ولا يشرب؛ وأعلاه أن ينتهى إلى أن يطوى ثلاثة أيام وأسبوعا وما زاد عليه.

وانظر الى أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى كيفيّة زهدهم فى المطاعم وتركهم الأدم واقتصارهم على ما يمسك الرمق. قالت عائشة أمّ المؤمنين رضى الله