للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية وهى أقوى: أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل فى حق أمّه فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى سواها ولا يعتمد [١] إلا إياها؛ فإن رآها تعلّق فى كلّ حال بها، وإن نابه أمر فى غيبتها كان أوّل سابق إلى لسانه: يا أمّاه، وأوّل خاطر يخطر على قلبه أمه لوثوقه بكفالنها وكفايتها وشفقتها.

الثالثة وهى أعلاها: أن يكون بين يدى الله تعالى فى حركاته وسكناته مثل الميّت بين يدى الغاسل يقلّبه كيف أراد لا يكون له حركة ولا تدبير. قال: وهذا المقام فى التوكل يثمر ترك الدعاء والسؤال منه ثقة بكرمه وعنايته، وأنه يعطى ابتداء أفضل مما يسأل. وقد تكلّم المشايخ فى التوكّل وبيان حدّه واختلفت عباراتهم وتكلّم كلّ واحد عن مقام نفسه وأخبر عن حدّه.

قال أبو موسى الدّيلى: قلت لأبى يزيد: ما التوكل؟ فقال: ما تقول أنت؟

قلت: إن أصحابنا يقولون: لو أن السباع والأفاعى عن يمينك ويسارك ما تحرّك لذلك سرّك. فقال أبو يزيد: نعم هذا قريب، ولكن لو أن أهل الجنة فى الجنّة يتنّعمون، وأهل النار فى النار يعذبون، ثم وقع بك تمييز عليهما خرجت من جملة التوكّل. وسئل أبو عبد الله القرشىّ عن التوكّل فقال: التعلّق بالله تعالى فى كلّ حال. فقال السائل: زدنى؛ فقال: ترك كلّ سبب يوصّل إلى سبب حتى يكون [الحق [٢]] هو المتولّى لذلك. وهذا مثل توكّل إبراهيم الخليل عليه السلام إذ قال له جبريل: ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا؛ إذ كان سؤاله يفضى الى سبب فترك ذلك ثقة بأن الله يتولّى ذلك.


[١] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «يغتنم» .
[٢] زيادة عن الإحياء.