للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعض البلغاء: الملك من تبيضّ آثار أياديه، وتسودّ أيّام أعاديه؛ وتخضرّ مواقع سيبه، وتحمرّ مواضع سيفه؛ وتصفرّ وجوه [١] حسّاده، وتروق أعين أنداده.

وقال سهل بن هارون: الملك صبىّ الرضا، كهل الغضب؛ يأمر بالقتل وهو يضحك، ويستأصل شأفة القوم وهو يمزح، يخلط الجدّ بالهزل، ويتجاوز فى العقوبة قدر الذنب، وربما أحفظه الذنب اليسير، وربما أعرض صفحا عن الخطب الكبير؛ أسباب الموت والحياة متعلّقة بطرف لسانه، لا يعرف ألم العقوبة فيبقى، ولا يؤنّب على بادرة فينتهى، يخطئ فيصوّب ويصيب فيفترض، مفتون الهوى فظّ الخليقة أخرق العقوبة، لا يمنعه من ذى الخاصّة به ما يعلم من عنايته [٢] وطول صحبته أن يقتله بخطرة من خطرات موجدته، ثم لا ينفكّ ان يخطب إليه موضعه، فلا الثانى بالأوّل يعتبر، ولا الملك عن مثل ما فرط منه يزدجر.

قال عمرو بن هند: الملوك يشتمون بالأفعال لا بالأقوال، ويسفّهون بالأيدى لا بالألسن. قال معبد بن علقمة:

وتجهل أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم

وأما ما يفضّل به الملك على غيره، فقد قيل: تميّز الملك على غيره إنما يكون بفضيلة الذات لا بفضيلة الآلات. وفضل ذات الملك بخمس خصال: رحمة تشمل رعيّته، ويقظة تحوطهم، وصولة تذبّ عنهم، ولين يكيد به الأعداء، وحزم ينتهز به الفرص، فهذه فضيلة الذات.


[١] الذى بالأصل: وجوده، وهو تحريف ظاهر.
[٢] بالأصل «عناية» وأضفناه الى الضمير ليشاكل تاليه.