للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبرويز لابنه شيرويه: لا توسعنّ على جندك سعة يستغنون بها عنك فيطغوا، ولا تضيّق عليهم ضيقا يضجّون به منك، ولكن أعطهم عطاء قصدا وامنعهم منعا جميلا، وابسط لهم فى الرجاء، ولا تبسط لهم فى العطاء. وكتب إليه أيضا من الحبس: اعلم أن كلمة منك تسفك دما وأخرى تحقن دما، وأن سخط سيفك مسلول على من سخطت عليه، وأن رضاك بركة مستفادة على من رضيت عنه، وأنّ نفاذ أمرك مع ظهور كلامك، فاحترس فى غضبك من قولك أن يخطىء، ومن لونك أن يتغيّر، ومن جسدك أن يخفّ؛ فإنّ الملوك تعاقب حزما وتعفو حلما. واعلم أنك تجلّ عن الغضب، وأن ملكك يصغر عن رضاك، فقدّر لسخطك من العقاب كما تقدّر لرضاك من الثواب. وكتب إليه أيضا من الحبس: اختر لولايتك امرأ كان فى وضيعة فرفعته، وذا شرف كان مهملا فاصطنعته، ولا تجعله امرأ أصبته بعقوبة فاتّضع لها، ولا امرأ أطاعك بعد ما أذللته، ولا أحدا ممن يقع فى خلدك [١] أنّ إزالة سلطانك أحبّ إليه من ثبوته؛ وإيّاك أن تستعمله ضرعا غمرا، كثيرا إعجابه بنفسه، قليلا تجربته فى غيره، ولا كبيرا مدبرا قد أخذ الدهر من عقله كما أخذت السّنّ من جسمه.

قال لقيط الإيادىّ:

فقلّدوا أمركم لله درّكم ... رحب الذّراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عضّ مكروه به خشعا

ما زال يحلب درّ الدهر أشطره ... يكون متّبعا طورا ومتّبعا

حتّى استمرّت على شزر [٢] مريرته [٣] ... مستحصد الرأى لا قحما [٤] ولا ضرعا [٥]


[١] الخلد: البال والقلب والنفس.
[٢] الشزر: الصعوبة والشدّة.
[٣] المريرة:
العزيمة.
[٤] القحم: الكبير السن جدّا.
[٥] الضرع: الصغير السن.