للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستخارة. وقيل: لما همّت ثقيف بالارتداد بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، استشاروا عثمان بن [أبى [١]] العاصى وكان مطاعا فيهم؛ فقال: لا تكونوا آخر العرب إسلاما وأوّلهم ارتدادا؛ فنفعهم الله تعالى برأيه.

وقال العتبىّ لرجل من عبس: ما أكثر صوابكم [٢] ! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد، فنحن نشاوره فكأنّا ألف حازم. وسئل بعض الحكماء: أىّ الأمور أشد تأييدا للعقل، وأيها أشدّ إضرارا به؟ فقال: أشدّها تأييدا له ثلاثة أشياء:

مشاورة العلماء، وتجربة الأمور، وحسن التثبّت. وأشدّها إضرارا به ثلاثة أشياء:

الاستبداد، والتهاون، والعجلة.

وقال بعض الحكماء: إذا استبدّ الرجل برأيه عميت عليه المراشد.

وقال الفضل بن سهل: الرأى يسدّ ثلم السيف، والسيف لا يسدّ ثلم الرأى.

وقالوا: من استغنى برأيه فقد خاطر بنفسه. وقال بعض البلغاء: إذا أشكلت عليك [الأمور [٣]] ، وتغيّر لك الجمهور؛ فارجع إلى رأى العقلاء، وافزع إلى استشارة العلماء؛ ولا تأنف من الاسترشاد، ولا تستنكف من الاستمداد [٤] ؛ فلأن تسأل وتسلم خير من أن تستبدّ وتندم.

وقال حكيم لابنه: يا بنىّ، إنّ رأيك إذا احتجت إليه وجدته نائما ووجدت هواك يقظان، فإيّاك أن تستبدّ برأيك، فإنّه حينئذ هواك. ويقال: تعوّذ من سكرات الاستبداد بصحوات الاستشارة، ومن عثرات البغى باستقالة الاستخارة.


[١] الزيادة عن الكامل لابن الأثير، والطبرى، ومعجم ياقوت.
[٢] كذا فى العقد الفريد (ج ١ ص ٢٥) وأدب الدنيا والدين (ص ٣٠٤) وفى الأصل «صوابك» .
[٣] زيادة عن «أدب الدنيا والدين» ص ٣٠٦.
[٤] فى الأصل «ولا تستنكف من الاستبداد ... الخ» والتصويب عن أدب الدنيا والدين ص ٣٠٦.