للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأنّها تنظرها عيانا، وطرأ عليها من الحوادث التى أوضحت لها طريق الصواب وبيّنته تبيانا؛ ولما منحته من أصالة رأيها، واستفادته بجميل سعيها. ولذلك قال علىّ ابن أبى طالب رضى الله عنه: رأى الشيخ خير من مشهد [١] الغلام.

ومن أمثالهم «زاحم بعود أودع» [٢] . قال بعض الشعراء:

لئن فقدوا الشباب فربّ عقل ... أفادوه على مرّ الليالى

خبت نار الذكاء فأجّجوها ... بآراء أحدّ من النّصال

وقد عدل قوم عن ذلك، وسلكوا فى خلافه أوضح الطّرق وأنهج المسالك؛ وقالوا:

بل رأى الشباب هو الرأى الصائب، وفهمهم الفهم الثاقب؛ ونجم سعدهم الطالع، وسحاب جدّهم الهامع؛ وإن لهم من الفطنة أوفر نصيب، وإنّ سهم رأيهم الرائش [٣] المصيب؛ وإن عقولهم سليمة من العوارض، وأذهانهم آخذة بحظ وافر من الغوامض.

ولذلك قالت الحكماء: عليكم بآراء الأحداث ومشورة الشبّان، فإن لهم أذهانا تفلّ القواصل [٤] ، وتحطّم الذوابل.

وقالوا: آراء الشّباب خضرة نضرة لم يهتصر [٥] غصنها هرم، ولا أذوى زهرتها قدم، ولا خبا من ذكائها بطول المدّة ضرم. قال شاعر:

عليكم بآراء الشّباب فإنّها ... نتائج ما لم يبله قدم العهد

فروع ذكاء تستمدّ من النّهى ... بأنور فى اللّأواء [٦] من قمر السعد


[١] كذا فى عيون الأخبار، وفى الأصل: «من جلد الغلام» .
[٢] كذا فى مجمع الأمثال للميدانى، وفى الأصل: «أو فدع» بزيادة الفاء. والعود: المسنّ من الإبل، أى لا تستعن إلا بأهل السن والتجربة فى الأمور.
[٣] الرّائش: السهم ذو الريش.
[٤] قواصل جمع قاصل، والقاصل:
السيف القطاع.
[٥] يهتصر الغصن: يعطفه ويكسره من غير انفصال.
[٦] اللأواء: الشدة.