للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المهلّب بن أبى صفرة: لو لم يكن فى الاستبداد بالرأى إلّا صون السّرّ وتوفير العقل لوجب التمسّك به.

وقال بزرجمهر: أردت نصيحا أثق به فما وجدت غير فكرى، واستضأت بنور الشمس والقمر فلم أستضئ بشىء أضوأ من نور قلبى.

وقال علىّ بن الحسين: الفكرة مرآة ترى المؤمن سيئاته فيقلع عنها، وحسناته فيكثر منها، فلا تقع مقرعة التقريع عليه، ولا تنظر عيون العواقب شزرا إليه.

وما زال المنصور يستشير أهل بيته حتّى مدحه ابن هرمة بقوله:

يزرن امرأ لا يصلح القوم أمره ... ولا ينتجى [١] الأدنين فيما يحاول

فاستوى جالسا وقال: أصبت والله! واستعاده، وما استشار بعدها.

قالوا: وعلى المستبدّ أن يتروّى فى رأيه، فكلّ رأى لم تتمخّض به الفكرة ليلة فهو مولود لغير تمام. قال شاعر:

إذا كنت ذا رأى فكن ذا أناءة ... فإنّ فساد الرأى أن تتعجّلا

وما العجز إلّا أن تشاور عاجزا ... وما الحزم إلا أن تهمّ فتفعلا

قال بعض جلساء هارون الرشيد: أنا قتلت جعفر بن يحيى، وذلك أنّى رأيت الرشيد يوما وقد تنفّس تنفّسا منكرا فأنشدت فى إثر تنفّسه:

واستبدّت [٢] مرّة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبدّ

وممّا مدح به ذوى الرأى قول بعض الشعراء:

بصير بأعقاب الأمور كأنّما ... يخاطبه من كلّ أمر عواقبه

وأين مفرّ الحزم منه وإنما ... مرائى الأمور المشكلات تجاربه


[١] يقال: انتجاه إذا أفضى اليه بسره وخصه به.
[٢] كذا فى ديوان عمر بن أبى ربيعة المطبوع بليبرج. وفى الأصل «فاستبدت» بالفاء.